صغار يكسرون قيود "عمالة الأطفال" ويطلقون أحلامهم نحو السماء (فيديو)

Video thumbnail for youtube video p9oiu4mmiha
Video thumbnail for youtube video p9oiu4mmiha

تغريد السعايدة

عمان- "يا رب استجب لأمنياتي".. تلك دعوة كررها الطفل أنس نادر (11 عاما)، بعد أن أطلق بالونا يحمل أمنيته أن يكون طبيبا في المستقبل، ويخرج من جدران عمالة الأطفال التي أدمت قلبه الصغير، حيث يعمل في سوق الخضار من الساعة 9 صباحا حتى 10 ليلاً مقابل 3 دنانير فقط.اضافة اعلان
"الغد" التقت مع أنس خلال فعالية خاصة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، الذي صادف أول من أمس؛ حيث نظمت جمعية رواد الخير مهرجانا خاصا بهذه المناسبة، ضمن مشروعها التنموي "الحد من عمالة الأطفال"، بدعم من منظمة اليونيسف، ليكون جزءا من هذه الفعالية، إطلاق أحلام وأمنيات الأطفال، وتخصيص هذا اليوم للأطفال العاملين في لواء الرصيفة في الزرقاء.
يقول أنس إنه ليس بيده حيلة بأن يختار حاضره، إذ أجبرته ظروفه على أن يكون ضمن صفوف الأطفال العاملين بظروف صعبة للغاية، فعوز العائلة دفعه للعمل لتوفير أدنى متطلبات الحياة لهم. ولكن، وبفضل هذا المشروع فقد تم فك قيود تلك الأحلام للأطفال والتطلع إلى تحقيقها في المستقبل، بعد أن تم توفير ظروف معيشية وأسرية مناسبة لهم ساعدت على العودة لركب العلم والتعلم، والانسلاخ عن عالم العمالة الذي يقتص من حياتهم وأحلامهم وتطلعاتهم وطفولتهم في الوقت ذاته.
وشارك الأردن العالم الاحتفاء بهذا اليوم من خلال العديد من الفعاليات الرافضة لعمالة الأطفال مهما كانت الظروف، كما أطلق وزير العمل يوسف الشمالي، أول من أمس، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، حملة تحت شعار "بدي.. أتعلم"، لإلقاء الضوء على مشكلة الأطفال العاملين وكيفية مساعدتهم، وليكون فرصة للدعوة لبذل الجهود اللازمة للقضاء على هذه المعضلة من خلال الحكومات وأصحاب العمل والعمال بالتعاون مع جميع أطياف المجتمع المحلي ومؤسسات المجتمع المدني.
الفنانة جولييت عواد، ومن باب المسؤولية الاجتماعية للفن الهادف، ولدعمها حقوق الطفل وحمايته من أخطار العمالة، كانت ضمن المشاركين في الفعالية التي شارك فيها العشرات من الأطفال الذين استفادوا من مشروع رواد الخير ومسار الخير واليونيسف. وقالت عواد لـ"الغد": "أشكر القائمين على المشروع وممتنة لحجم الفعاليات المنظمة، وعدد الأطفال العاملين الذين تواجدوا في الاحتفال وعبروا عن مدى رغبتهم بتحقيق أحلامهم التي بدأت أولى خطواتها منذ خروجهم من سوق العمل".
وشددت عواد على أهمية أن يكون هناك قوانين وتشريعات صارمة وبند قضائي يحد ويمنع تشغيل الأطفال، وخاصة في القطاع الخاص الذي يستغل حاجة الصغير وعائلته للعمل، وإجباره على العمل في ظروف غير ملائمة وبأجور متدنية، بدلاً من تشغيل الكبار بأجور مرتفعة. ووفق عواد، فإن القانون الرادع لن يتجرأ أحد على مخالفته، مع أهمية تأكيد تأهيل هؤلاء الأطفال الذين يختلفون بمفاهيمهم وقيمهم عن الأطفال الموجودين على مقاعد الدراسة، إذ ينبغي عمل دمج بينهم من حيث القراءة والكتابة، مشيرة إلى أن هؤلاء الأطفال هم ضحايا بسبب فقر عائلاتهم، ولا يمكن إنكار أن الأمر ازداد سوءًا مؤخرا في ظل ظروف جائحة كورونا وزيادة نسبة الفقر والبطالة.
وخلال تواجده في موقع الفعالية في ملعب بلدية الرصيفة، بدت السعادة واضحة على الطفل علي حمادة (11 عاما)، إذ كان يعمل بائعا للورق الصحي في "الشوارع"، حيث تحدث عن سعادته لكونه تخلص من هذا العبء، وأصبح الآن ملتزما بالدراسة ويحمل حلما يسعى لتحقيقه عله ينتزع بعضا من حقوقه في الحياة رغم كل الصعوبات، وأولها حقه في التعليم الذي يفتح له أفق الحياة.
في حين تمنت آية عرفات، مسارا يتناسب وعملها منذ طفولتها في مجال التجميل النسائي، كونها عملت منذ سنوات عمرها الأولى بهذا المجال، وما تزال حتى هذه اللحظة من عمرها (16 عاما) تعمل بالمجال ذاته، بسبب عوز عائلتها، لذلك تطمح لأن تكون من ذوات الخبرة العملية والتأهيلية وأن تفتتح مشروعها الخاص، وهي الفرصة التي تسعى لتحقيقها بدعم من جمعية رواد الخير التي احتضنتها كما مئات الأطفال.
رئيس جمعية رواد الخير أحمد البطاط، أكد أهمية التعاون المجتمعي والرسمي في توفير حماية للأطفال العاملين، خاصة وأن البعض منهم يؤدون مهنا خطيرة، تحرمهم أبسط حقوقهم، مشيدا بالدور الكبير الذي يقدمه فريق من العاملين والمتطوعين في تقديم أقصى خدمات الرعاية للأطفال وعائلاتهم من خلال مشاريع تنموية عدة تساعد أفراد الأسر على أن يكونوا منتجين، وخاصة للسيدات اللواتي عدن لاحتواء أطفالهن والالتزام بالعودة للتعليم المنتظم، ومساعدتهم على تحقيق أحلامهم في المستقبل.
وبين البطاط أن مشروع الحد من عمالة الأطفال يشمل مناطق عدة في المملكة، انطلاقاً من الأغوار التي تضم العديد من الفتيات اللواتي يعملن لساعات في الزراعة، بأجور منخفضة وظروف عمل خطيرة، وبعض من قرى الجنوب، إضافة إلى مناطق أخرى عدة، والمشروع ما يزال مستمرا لخدمة أكبر عدد ممكن منهم، وذلك من خلال التعاون مع جهات عدة منها حماية الأسرة، والهيئة الطبية الدولية، ومنظمات أخرى كذلك.
مسؤولة المتابعة والتقييم في جمعية رواد الخير بنان الجندي، أكدت أن البرنامج الذي يأتي تحت شعار "أتعهد أن أكمل تعليمي وأدافع عن حقوقي، وأطور ذاتي، وأبني مستقبلي"، يتضمن العديد من الفعاليات في محافظات عدة، بيد أن الاحتفال اليوم يأتي في مدينة الرصيفة، ويستهدف الأطفال العاملين من عمر 6 ولغاية 17 سنة، بحيث نساعدهم على الخروج من سوق العمل، وتقديم مساعدات فورية لهم ولعائلاتهم، عدا عن تدريب بعض العائلات على المشاريع الإنتاجية لتكون مصدر رزق لهم، بدلاً من الاعتماد على الأطفال.
إلى ذلك، فإن فريقا متخصصا في رواد الخير، يساعد الأطفال ويؤهلهم على مهارات الحياة، من خلال وضع خطة علاجية في دروس التقوية المدرسية، لمساعدتهم على العودة إلى مسار حياتهم الطبيعي، إذ تشير الجندي إلى أن حياة الطفل الطبيعية تكون بين أقرانه في المدرسة من دون قيود عمالة قد تؤدي إلى حدوث أمراض مختلفة، كما أظهرت بعض الحالات عند عمل "دراسة حالة لبعضهم".
مؤسس مبادرة مسار الخير ومسؤول المشاريع ذات الأثر السريع محمد القرالة، يبين أن المشاريع الصغيرة التي تم استهداف العائلات فيها، "نعمل على أن تكون سريعة بتوفير المردود المادي"، حتى يتحقق الاستقرار المادي للأسرة، ومن ثم إلزامهم بإخراج أطفالهم من سوق العمل والتشديد على إلحاقه بالتعليم المنتظم.
ووفق القرالة، فإن هذه المشاريع التنموية الصغيرة، يتم اختيارها بما يتناسب مع ظروف العائلة، والأم تحديداً، كما في مشاريع المطبخ الإنتاجي، وتربية النحل وإنتاج العسل وبيعه، ومشاريع "صالون نسائي"، وغيرها من المشاريع التي تشعر الأسرة بسرعة تحصيل المدخول، وهذا له دور كبير في مساعدة الطفل على الاستقرار كذلك.
سمر يوسف، والدة أحد الأطفال العاملين، والتي ساعدتها الجمعية على افتتاح مشروع تجاري صغير خاص بها، ساعدها على أن تدر دخلاً مناسباً لأسرتها، من خلال مشروع منزلي ومناسب لظروفها المعيشية، حيث ساعدها ذلك على أن تعود بابنها لمسار حياته الطبيعي في الدراسة واللعب والاستمتاع بحياته الطبيعية.
وكان تقرير جديد صادر عن منظمة العمل الدولية واليونيسف، قد أظهر أن عدد الأطفال العاملين في العالم ارتفع إلى 160 مليون طفل، بزيادة 8.4 مليون في الأعوام الأربعة الماضية، مع وجود ملايين آخرين معرضين لخطر العمل بسبب آثار "كوفيد 19"، ما يستدعي تكاتف الجهود للحد من الخطر المحدق بالأطفال ومستقبلهم التعليمي والصحي على حد سواء، فيما يأتي قانون العمل الأردني منسجماً مع أهم الاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة عمل الأطفال، كما في اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقيتي العمل الدوليتين؛ الأولى رقم 138 الخاصة بـ"الحد الأدنى لسن الاستخدام" والثانية رقم 182 الخاصة بـ"حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال".