صفارات الإنذار

لم يخطر ببال أحد أن تلك الأعمدة البيضاء التي ركبت قبل بضع سنين في أحياء ومحافظات المملكة المختلفة، والتي قيل لنا وقتها أنها صفارات إنذار، سنشهد لها فاعلية وحضورا في حياتنا اليومية، وسيكون صوتها جرس إنذار لنا جميعا لأخذ الاحتياطات اللازمة وإنهاء حالة السير في الطرقات بسبب وباء كورونا الذي ضرب العالم أجمع ومنها بلادنا.اضافة اعلان
طبعا وقتذاك عندما ركبت تلك الأعمدة اختلفت الأقاويل حولها وسبب تركيبها والدافع لها وتوقيتها، وكما عادة الأردنيين كانت علامات الاستفهام والتشكيك أكثر بكثير من علامات الرضا والتأييد، فمنذ تركيب صفارات الإنذار تلك لم يتم استخدامها إلا لتجربة في بعض الأحيان، ومرة أو اثنتين للتحذير من الانزلاقات أثناء المنخفضات الجوية التي كانت ترافقها حالات انجماد كبير.
اليوم في ظل جائحة كورونا التي تجتاح العالم أجمع ومنها أردننا الحبيب بتنا نسمع صفارات الإنذار يوميا في تمام الساعة السادسة، تنطلق لتعلمنا بحظر التجوال التام حتى للراجلين وضرورة البقاء في البيت للمساعدة في تطويق الفيروس والقضاء عليه.
في اليوم الأول كان صوت الإنذار مقلقا، بيد أنه مع الوقت وشعور الناس بأهمية زوال الحظر وضرورة البقاء في البيت حتى نحافظ على سلامة أنفسنا أولا ومخالطينا ثانيا، جعلنا نستأنس بصوت الانذار ونأمل أن لا يطول الوقت حتى نخرج جميعا لنحتفل معا بالقضاء على الوباء، وبالتالي سكوت الصافرة.
وحتى يحصل ذاك يتوجب أن يكون لدى كل واحد منا صفارات إنذار خاصة، إنذار ذاتي بالابتعاد وعدم الاختلاط والبقاء في البيت ما استطعنا الى ذلك سبيلا، وإنذار بأهمية التعاون مع الجهود الرسمية المبذولة لاحتواء المرض، فالاحتواء لا يتم دون تعاون مجتمعي أو توافق على أن تلك الجانحة تتطلب التزام الجميع.
وصفارة الإنذار تلك يجب أن تدفع الحكومة والحكومات اللاحقة وعقل الدولة لإعادة التموضع من جديد والتفكير خارج الصندوق، وإعادة النظر بطريقة تفكيرنا الاقتصادي والاجتماعي، فأزمة كورونا وما شهدناه من انهيارات للأنظمة الصحية في العالم يتوجب أن تدفعنا لإعادة التفكير بمنظومة اقتصادنا كليا وتعزير فكر الاعتماد على الذات وهذا يتطلب إعادة الاعتبار للقطاع الزراعي في المقام الأول، فهذا القطاع الذي همش كثيرا فيما سبق في ظل الاعتماد الكامل على سياسة السوق وتعزير الاقتصاد الخدمي ومنحه الأولوية على القطاع الزراعي، أثبتت الجائحة حاجتنا إليه ولاستمراره والعناية به، وهذا يتطلب منا قلب المثلث ومنح الزراعة أولوية، والمزارعين الدعم اللازم لتعزيز حضورهم وتوسيع الرقعة الزراعية، كما أن جائحة كورونا يتوجب أن تدفعنا لإعادة التفكير بتعزيز ودعم صناعتنا المحلية التي تراجعت كثيرا سابقا في ظل حضور المستورد بشكل كامل.
صفارات الإنذار التي أوجدتها أزمة كورونا لا تقف عند ذاك فقط وإنما يتوجب علينا الاستفادة من الأزمة لتعزيز فكر اعتماد الأسر الأردنية على الذات، ووقف الفكر الاستهلاكي الذي غزا مجتمعنا المحلي، ففيما مضى كنّا نشاهد أمهاتنا تعجن وتخبز في البيت، ونستمتع ونحن نقوم بتنشيف الباميا والملوخية وغيرها لأغراض التخزين والمؤونة، وغيرها الكثير من الممارسات التي اندثرت نتيجة تسيد الفكر الاستهلاكي.
دعونا نستفد من الأزمة ونخرج بعبر مفيدة ونؤمن يقينا أن طريقة التفكير الاقتصادية السابقة يتوجب إعادة تفكيكها وأخذ الأفضل منها واستعادة قطاعات غابت أو غيبت للواجهة، فالدولة التي تفكر بالاكتفاء الذاتي هي الدولة التي تستطيع الوقوف على قدميها ورفض كل المغريات التي تعرض عليها وتجعلها قادرة على قول كلمة كلا لأي قرار لا يتفق مع سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولهذا فان ما بعد أزمة كورونا يجب أن يكون مختلفا عما قبله، والعالم بطبيعة الحال سيكون مختلفا بعد الأزمة.