"صفقة القرن" مجرد فصل في صراع طويل..!

لم يعرض إعلان «صفقة القرن» جديداً إلا بقدر إيقاظ مشاعر الغضب والاشمئزاز من منسوب الصفاقة والثقة غير المستحقة بالأحقية والأخلاقية الذاتية التي عرضها ترامب-نتنياهو. رأينا أناسا يحتفلون بالسطو على العدالة والحق والقانون ومحاولة إلغاء شعب كامل، يصفق لهم جمهور بلون واحد يرتدون «الكيباه» على الرأس أو في القلب. وفي المقابل، يشاهد أصحاب القضية والملايين من المؤمنين بعدالة قضيتهم هذا العرض ويعضون أصابعهم أمام صلافة القوة وهوان الحق بلا قوة.اضافة اعلان
لكن هذا مجرد فصل آخر فقط من صراع شعبي الطويل والشاق من أجل الوطن والحرية. وهو صراع لا يملك أن ينهيه ترامب والصهاينة والمصفقون. لو كان الأمر كذلك، إذن لأنهوه منذ وقت طويل. لكن القرار اتخذه الشعب الفلسطيني حين لم يختر الاستسلام والخروج من الصراع والتاريخ، واحتفظ بإيمانه بأن فرصته الوحيدة في الوجود لا علاقة لها بالاستسلام، وإنما هي خوض الصراع إلى النهاية والتمسك بتعريفاته للوطن والسلام وما يريد وما لا يريد.
الواقع الذي لم تغيره صفقة القرن، هو أن فلسطين احتلت في 1948 واستكمل احتلالها في1967، نقطة. ويعتقد الفلسطينيون في كل مكان بأن هذه الأرض من البحر إلى النهر وطنهم التاريخي الذي يريدون استعادته. وفي الطريق الطويل، ظهرت الكثير من القرارات والاقتراحات والمبادرات والتعريفات التي لم تغير التعريفات الفلسطينية التي يعرفها أصغر طفل في الوطن والمنفى. وكعادة كل صراع، لا يعترف الواقع الذي تصنعه القوة بالتعريفات.
كانت أدوات القوة كل هذا الوقت بأيدي عدو ممكن بأكثر مما تمكن الإحاطة به من القوى الدولية، والأدوات المالية والعسكرية، والعملاء، والمتآمرين. وعلى رأس الجميع، وجد الفلسطينيون أنفسهم في صراع مع أقوى قوة وحشية في العالم، الولايات المتحدة، التي لم تدخر وسيلة إلا واستخدمتها ضد شعب لا يُعرف من أين جلبت له كل هذا العداء. وكانت «صفقة القرن» صك تمليك آخر ممن لا يملك لمن لا يستحق وفرض ذلك بالعضلات -كما هي طبيعة البلطجة. وهي تكرار لصك بلفور الذي كان وعدا مستقبليا، بينما صادق ترامب على واقع احتلال مفروض بالقوة أيضا. لم يكن الأمر أن أميركا لم تصادق قبل يوم الثلاثاء على احتلال وطن الفلسطينيين وديمومته في السابق وغيرت موقفها.
من شدة صلافة ترامب، وصف ما يفعله بـ»الصفقة» و»اتفاق السلام»، وليس في تعريف أي صفقة أو اتفاق أن يكون أحد طرفيه غير موجود ولا مطلوب، لا هو ولا موافقته ولا توقيعه، وأن يحددوا له «السلام» الذي قرروه له. في الحقيقة، كانت هذه «صفقة» فاوستية بين شخصين يواجهان اتهامات جرمية ويستخدمان مصير شعب مغدور كبرامج انتخابية.
أكد منطق التاريخ دائما أن قيمة أي كلام تتحدد بامتلاك أدوات تحقيقه على الأرض. والأداة التي تصنع الفرق في صراع السرد والواقع في فلسطين هي القوة المادية القادرة تماما على تحييد القوة الأخلاقية القابلة للتأويل. لذلك، كان الخيار الوحيد الصالح للشعب الفلسطيني في صراع هذا شرطه هو المقاومة على أساس هذا الشرط: الكفاح المسلح. ولن يكون معيار عدم تكافؤ القوى وارداً في صراع لا يتيح بديلاً سوى الاستسلام والكف عن الوجود. إنه ليس صراعاً على أرض برية نبت فيها زرع شيطاني ليس لها صاحب، نتصارع عليه مع طامع أقوى فننسحب ونعود إلى بيوتنا. إنه بيتنا نفسه هو الذي يأخذونه وبديله العراء. والعيش في العراء ليس خيارا.
لا بأس! اليوم أيضا يمكن أن يبدأ الفلسطينيون من الأول، وينبغي أن تصحح لهم صفقة ترامب المسار: ينبغي إدراك أنهم وحدهم وأن ما يفعلونه هو المهم. ينبغي إنزال الأعلام الفصائلية ورفع العلم الوطني وحده. ينبغي إغلاق الدكاكين الفئوية ومحو الشعارات المرحلية واستعادة الإيمان الأصلي الذي لم ينفع تجزيئه في شيء: «فلسطين عربية لأهلها من البحر إلى النهر». يجب الخروج من مصيدة أوسلو، وإعادة تجميع طاقات كل الفلسطينيين في الوطن والمنفى على أساس برنامج واحد قوي النبرة، بقيادة موحدة من المخلصين. ويجب أن يضموا الأيدي مع كل طرف تسميه أميركا والكيان الصهيوني عدواً؛ فهو الصديق الوحيد الممكن. وينبغي أن تكون تكتيكاتهم هي تنويعات المقاومة، وأولها سبل مراكمة القوة القادرة وحدها على صنع فرق؛ وأن تكون استراتيجيتهم هي تحرير كل فلسطين.