صفقة القرن والخيارات الأردنية

يفترض أن السؤال الذي يستدل به على اتجاهات الدولة في تعاملها مع صفقة القرن هو ما المبادئ والمصالح والخيارات الأردنية الحاكمة للمواقف والسلوك السياسي؟ إن الأردن بتوقيعه لمعاهدة السلام مع إسرائيل منذ العام 1994 يكون قد اختار التأثير في مسار التسوية السياسية من خلال كونه طرفا أساسيا فيها وباتجاه الأهداف والمحددات التي تعلن عنها السياسة الأردنية الرسمية. وبالطبع فإن الخيارات الرسمية في الأدوات والوسائل ليست هي أدوات المعارضة والأحزاب السياسية وإن تطابقت الأهداف.اضافة اعلان
حدد الملك عبد الله ثلاثة محددات للتعامل مع التسوية السياسية وهي القدس وحق العودة للاجئين الفلسطينيين وألا يكون الأردن وطنا بديلا، وهي المسائل العالقة والمختلف عليها منذ توقيع المعاهدة، وإذا كان هذا الخلاف لم يمنع توقيع المعاهدة، فإنه لا يمنع المشاركة الأردنية بهدف التأثير في هذه الاتجاهات، وأيضا بهدف تحقيق منافع اقتصادية وتنموية وتطوير الحضور والمشاركة الأردنية في المشهد الإقليمي والعالمي على النحو الذي يمنحه مكاسب اقتصادية وسياسية وقوة رادعة ومؤثرة كما القوة الناعمة أيضا، فالتسوية السياسية ليست هواية جميلة، كما أنها تعكس نتائج التأثير والصراع الحقيقي والتاريخي، وكان منتظرا أن تعود بفوائد اقتصادية وتنموية على الأردن والمواطنين، وهي مسألة لا يجوز الاستخفاف بها أو تجاهلها، فالازدهار هو المحرك الأساسي للسياسة وأهدافها.
ثمة اتفاق أن المعاهدة لم تحقق تقدما اقتصاديا وتنمويا، ويجب أن نسأل أنفسنا لماذا لم توظف المعاهدة في مكاسب اقتصادية تعود على المواطنين جميع المواطنين بالفائدة والرخاء، ومرجح إن لم يكن مؤكدا أن السياسات الاقتصادية الرسمية مسؤولة عن هذا الفشل أكثر من مسؤولية المعاهدة بذاتها، فلم تتقدم الحكومة ببرامج ومبادرات لتحسين الاقتصاد ومعيشة المواطنين وزيادة مشاركتهم الاقتصادية، وظلت مكاسب المعاهدة معزولة لفئة قليلة من المواطنين، ويجب ألا نلوم المعارضة على هذه النتيجة لأن السياسات والعمليات الاقتصادية في عمومها وليس فقط في العلاقات الاقتصادية مع العالم مازالت تعود بالفائدة على قلة من المواطنين؛ في حين تعاني الأغلبية من التهميش والفقر، والأسوأ من ذلك فقد فشلت الحكومات منذ استئناف الديمقراطية العام 1989 في بناء عمليات سياسية وانتخابية تؤدي إلى مجتمعات مستقلة ومؤثرة وحكومات تعكس مصالح المواطنين وأفكارهم، وفي غياب هذه "الشرعية التنموية" للسياسة فإنه ليس في مقدور الحكومة أن تسوق مواقفها السياسية مهما كان اتجاه هذه المواقف. وفي ذلك فإنه لا معنى ولا قيمة لتأييد أو معارضة صفقة القرن إلا بقدر المكاسب التي تعود على المواطنين وبقدر الشرعية السياسية والتنموية التي تملكها النخب السياسية في الحكم أو المعارضة.
يستطيع المؤيدون والمعارضون أن يقولوا ما يشاؤون، وأنا أيضا أستطيع أن أرفض المعاهدة وصفقة القرن وسايكس بيكو، بل وفي مقدوري أيضا أن أرفض الاعتراف بالولايات المتحدة الأميركية نفسها باعتبارها دولة مستوطنين أوروبيين استولوا على القارة من أهلها الأصليين، لكن ذلك لا يضيف ولا ينقص شيئا، وليس مفيدا سوى للتسلية في أوقات الفراغ، فاللعبة السياسية مثل أية مباراة أخرى يحدد مسارها اللاعبون وليس المتفرجون، أو هي مثل الموائد لا مجال فيها إلا للطعام أو الذين يأكلون، هكذا وبصراحة فإن خياراتنا هي ألا نكون طعاما للمشاركين إن لم نكن منهم.