صمود الديمقراطية الأميركية

رفض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية وبذلك قد يشكل سابقة برفض مبادئ وقيم وإجراءات المؤسسات الديمقراطية الأميركية. كان ترامب يمينياً قومياً وشعبوياً لدرجة الشوفينية احيانا وتبدى ذلك في سياسته الخارجية من خلال شعاره أميركا اولاً، وداخلياً من خلال عدم احترامه للأقليات والمرأة وحقوق الإنسان. قبل الانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر هذا العام قال: اذا لم أنجح في الانتخابات فهذا يعني انها مزورة، وذكرني ذلك بموقف احد الأحزاب الرئيسة في دولة عربية كبرى عندما قال نفس العبارة عن الانتخابات الرئاسية في بلده. إذا السلوك والموقف يليقان بدول العالم الثالث وليس بدولة نشأت بها الديمقراطية وساهمت بنشرها في العديد من دول العالم. لقد كال ترامب الاتهامات بتزوير الانتخابات دون تقديم اي ادلة ملموسة في عدد من الولايات الأميركية التي فاز بها منافسه جو بايدن وشكك بالعملية الانتخابية ورفض الاعتراف بهزيمته كما جرت العادة لدى المنافسين بالانتخابات بعد اعلان النتائج. لا بل على العكس فقد قدم اكثر من خمسين طعنا رفضت كلها من المحاكم لعدم توفر الادلة. بالوقت نفسه فقد هدد باللجوء لأساليب غير ديمقراطية من خلال تحريض أنصاره على رفض النتائج والاستمرار بالقول ان النتائج مزورة مما أجج مناصيره ونقلوا معركتهم للشارع من خلال الاحتجاجات والمظاهرات التي لم تخل من استعراض القوة.اضافة اعلان
في الرابع عشر من هذا الشهر، صوت المجمع الانتخابي على تأكيد نتائج الانتخابات او المصادقة على الانتخابات الشعبية والتي تعتبر خطوة مهمة في حسم الجدل حول النتائج والتي اكدت فوز بايدن كما كان متوقعا وذلك يشكل اكبر مؤشر على صمود وثبات الديمقراطية الأميركية وعدم قدره بعض الاشخاص مهما علا نفوذهم على تطويع المؤسسات الديمقراطية حسب اهوائهم ورغباتهم اذا كانت مخالفة للواقع او الدستور.
بعض المحللين وخاصة بعالمنا العربي توقعوا فشل الديمقراطية الأميركية لا بل انهيار وتفكك الولايات الأميركية نفسها والذي ينم عن عدم درايه بالنظام الأميركي.
النظام السياسي الأميركي كما هو النظام الانتخابي معقد والسلطة به موزعة بين عدد من المؤسسات والمستويات على الصعيد الفيدرالي وعلى مستوى الولايات وبالتالي توجد به توازنات مهمة تجعل من الصعب على اي شخص تجاوز هذه المؤسسات والتي اعلنت كلها التزامها بالقانون والدستور.
المثير للاهتمام والقلق بالوقت نفسه هو موقف قادة الحزب الجمهوري حيث ان نسبة كبيرة منهم كانت تؤمن ان الانتخابات مزورة وهو مؤشر لعدم انحيازهم لمبادئ وآليات الديمقراطية وذلك باستمرارهم بدعم رواية ترامب غير المدعومة بالأدلة حتى اللحظات الاخيره. لقد استطاع ترامب بإقناع قادة الحزب كما نجح بالكذب على انصاره حيث صدق الملايين منهم ان الانتخابات كانت مزورة.
بالقدر الذي كشفت عنه هذه الانتخابات عن صمود وثبات الديمقراطية الأميركية ومؤسساتها فقد كشفت بالوقت نفسه عن هشاشة الديمقراطية وإمكانية الانتكاسة والانقضاض عليها وعلى مبادئها من قبل اشخاص غير ديمقراطيين وخسارة مكتسباتها التي تمت على مدى عقود.
صناديق الاقتراع يمكن ان تدفع بأناس غير ديمقراطيين ويتمتعون بنزعات سلطوية او دكتاتورية ولكن الاختبار الحقيقي يكمن في منعه المؤسسات والقوانين في عدم السماح لأي احد باختطافها.
في هذا الاختبار فقد صمدت الديمقراطية الأميركية.