صناعة التعصّب

كفّى بيان مجلس الكنائس ووفّى في ردّه على ما بثّه تقرير لوكالة أنباء أميركية يدّعي انتهاكات بحق المسيحيين في الأردن. فالأردن آخر بلد في العالم يمكن الشكوى منه بشأن أي تمييز أو اضطهاد ديني، وعلى ما أعلم فحتّى الطوائف الصغيرة الوافدة وأغلبها أميركية المنشأ تترك وشأنها، لا تتعرض لمضايقات، مع أن بيان مجلس الكنائس شنّ هجوما ضاريا عليها، قائلا: إنها مدعومة سياسيا وماليا من الخارج وتقوم بالتبشير بأساليب تثير النعرة الدينية وتشكل خطورة أمنية، ويجب إبعاد المنتمين لهذه الفرق عن الأردن.

اضافة اعلان

لا أعرف كثيرا عن هذه الفرق، التي كنت أعتقد أنها هامشية للغاية، وقد يكون مجلس الكنائس الذي يضم الطوائف العربية الأصيلة والتاريخية بالغ قليلا مدفوعا بالضيق التقليدي للكنائس الأردنية من هذه الجماعات الجديدة الوافدة، التي تحظى بدعم مادّي، وتسعى لفرض ذاتها واستقطاب أبناء الكنائس التاريخية.

ومع تثميننا للبيان الذي قدّم شهادة وطنية حاسمة في وجه هذه المحاولة الرديئة والفاشلة لتشويه حقيقة بلدنا، فلا نحبذ تحريضا قد يأخذ الناس بالشبهة ويصنع ظلما أو تجاوزا، وانطباعي أن طبيعة النسيج الاجتماعي المسيحي الأردني تجعله عصيا على الاختراق من جماعات تريد افتعال عصبية وتطرفا طائفيا، فهو من نفس طبيعة النسيج الاجتماعي المسلم، الذي فشلت جماعات التطرف والإرهاب في اختراقه وصنع قاعدة واسعة لها في أوساطه.

بماذا يبشّر مسيحي بين مسيحيين! وبماذا يميز دعواه الجديدة؟ باتهام المستمعين بالتقصير بحق دينهم وجعل الالتزام معه دليلا على الإيمان الحقيقي والولاء التام للمسيح. وتسعير الهوس الديني يسير بطريق مستقيم نحو تسعير العصبية التي تؤدّي إلى تضخم عقدة الأقلية، وبارانويا الاضطهاد، التي ستجد من يسمع ويروج لشكواها على غرار ما فعل تقرير وكالة الأنباء الأميركية.

العصبية الدينية والجهالة وجهان لعملة واحدة نقيضها الثقافة والانفتاح المعرفي. والعصبية في الدين مثل أي عصبية أخرى، العصبية العشائرية أو القومية أو الإثنية، هي مرادف للانغلاق وضيق الأفق والأحادية والقصور المعرفي ويمكن ملاحظة كم تتشابه ملامح الظاهرة في مختلف العقائد والمجتمعات، بما في ذلك في العقائد العلمانية القومية أو الماركسية.

لكن التعصب ليس مشكلة معرفية مجردة وليس معزولاً عن أجندات سياسية تستثمر بالتعصب والتجهيل. وقد أعجبني استخدام الصديق والباحث جمال الطاهات لتعبير "صراع الجهالات" بدلاً من "صراع الحضارات"، في مقاله عن مبادرة "حق الإنسان أن يكون مفهوما"، التي قدّم بشأنها ورقة عمل في مؤتمر تحالف الحضارات الذي رعاه رئيس الوزراء الاسباني، وكنّا قبل أيام نجتمع بضيافة الصديق عبدالله أبو رمّان في المركز الثقافي الملكي وبمشاركة تلاوين مختلفة من بينها التيار الإسلامي لبحث هذه المبادرة وإطلاقها أردنيا. 

[email protected]