بشار جابر
يعاني العالم حاليا من مرحلة حرجة ومفصلية في مكافحة وباء الكورونا المستجد -كوفيد 19-، فخلال الوقت الذي نجحت فيه الصين في السيطرة على انتشار الوباء داخل أراضيها، فشلت دول أخرى في إدارة ملف هذه الأزمة، وبالطبع هذا الفشل وسوء معالجة الاحتواء سيؤدي بكوفيد-19 للانتشار بالعالم وبالنهاية سيصبح “موسمي” بمعنى شائع، ولكنه أخطر من الانفلونزا الموسمية الحالية وغيرها من الامراض التنفسية المعتادة.
من خلال متابعتي للأخبار المنشورة على بعض أهم المواقع الإخبارية العالمية يتضح التهويل الذي تستخدمه هذه المواقع لجذب المتصفحين، فرحلة الوباء التي بدأت من الصين ووصول أعداد المصابين الى (80) الف مصاب، تلاها التركيز على كارثة السفينة السياحية “الموبوءة” باليابان ومنع ركابها من مغادرتها، وتبعها وصول المرض الى كل من كوريا وإيران وانتشاره فيهما بسبب تجمعات دينية، وصولاً الى اعلان “الحالة القصوى” من قبل منظمة الصحة العالمية، مما جعل هذه الدول مادة دسمة للأخبار لصناعة نوع من التشويق والرعب الذي يجبر القارئ على متابعة هذا الملف بإدمان.
مع العلم بأن منظمة الصحة -الجهة الأكثر اختصاصاً بهذا الملف- ومنذ ظهور الوباء أعلنت بأن الخوف يكمن في انتشار المرض في الدول الأقل جاهزية من الناحية الطبية، والمقصود أن هذا المريض يحتاج لمستشفيات ذات معدات متطورة وطواقم مدربة ومهنية، وأيضاً وحسب ما يتم توضيحه من قبل الجهات الطبية المختلفة، فإن الكوفيد-19 خطورته أكبر على الكبار بالسن وممن يعانون من أمراض مزمنة.
ولدعم فرضية الرعب المصطنع سأعرض بعض الأرقام من التجربة الصينية في مكافحة الوباء كونها الحاوية لأكثر عدد من الإصابات بالفيروس والبالغة (80) الف إصابة، بنسبة شفاء (55.5 %) ونسبة الوفاة بلغت (3.6 %) وباستثناء بؤرة الوباء “ووهان” تنخفض نسبة الوفاة في الصين الى (0.007) فقط، أما باقي الكوكب فقد واجه للآن (9) آلاف حالة وبنسبة وفاة بلغت (1.6 %)، وفي حال استثنيت ايران تنخفض نسبة الوفاة لتصبح (1 %) حتى تاريخ 2/3/2020، وغالباً ستنخفض النسب بحلول الصيف ويصبح من الاسهل تشخيص المرضى حيث إن اعداد المصابين بأعراض الانفلونزا اقل صيفا، وقد يتم إيجاد لقاح للمرض قبل بداية الشتاء المقبل.
أيضا، يذكر البعض الرعب الذي رافق “انفلونزا الطيور والخنازير” وتأثيراتهما على الاقتصاد والسياحة العالمية وإن كان بدرجة أقل بكثير، والذي أصبح مرضا شائعا بأيامنا هذه، فعلى سبيل المثال أصيب العام الماضي (341) مقيما في الأردن توفي منهم (11) مصابا، أي ما نسبته (3.2 %) وهي أكثر من نسبة الوفاة بالكوفيد-19 في باقي العالم، وجميع المتوفين مصابون بأمراض مزمنة.
حالياً ومع اثبات أول حالة كورونا أمس، فيجب على الدولة أن تبدأ بإجراء حصر لأعداد مصابي السرطان والفشل الكلوي والأمراض المزمنة، وتصنيفهم حسب الأعمار والمحافظات حتى يتم وضع خطة مناسبة للعناية الطبية لهم حتى لا يكونوا ضحية لهذا المرض. وأيضاً تجهيز المنشآت الطبية والمعدات اللازمة وإجراء صيانة شاملة، بالإضافة الى تدريب الكوادر الطبية (الحكومية والخاصة والعسكرية) لمواجهة هذا الوباء، علماً بأن الصين سجلت إصابات عديدة بين كوادرها الطبية بالمرض بسبب تعاملهم مع المصابين، وهو ما لا نرغب بحدوثه.
ختاماً، الأرقام تثبت المبالغة بالخوف من كوفيد-19، والتركيز المطلوب حالياً هو نشر الوعي بمخاطر الفيروس وطرق الوقاية منه وبشكل “مؤسسي” ومن خلال حملات توعية لكافة فئات المجتمع، وعدم ترك المجال للمبالغة الإعلامية بإثارة الرعب بين المواطنين من خلال تحديث متواصل للأخبار المتعلقة بهذا الوباء، والتركيز على حماية مصابي السرطان والفشل الكلوي والأمراض المزمنة فهم “الحلقة الأضعف” بمواجهة هذا المرض.