صندوق النقد الدولي: فجوة الخطاب والممارسات 2 - 3

أحمد محمد عوض

تباعا لما جاء في المقال السابق الذي تناولت فيه بعض أوجه الفجوة بين الخطاب المعلن لصندوق النقد الدولي وأهدافه، وبين السياسات و-التوصيات- التي يقدمها في الممارسة العملية، وآثارها على تراجع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في الدول التي تنفذ هذه السياسات؛ إذ إن من أوجه التناقض الأخرى بين خطاب صندوق النقد الدولي كإحدى أكثر المؤسسات المالية الدولية تأثيرا على مسارات الاقتصاد العالمي، هي مسألة التفاوت الاجتماعي أمامنا (اللامساواة)؛ حيث تشير تقارير الصندوق وبيانات كبار مسؤوليه وخبرائه الى أهمية محاربة التفاوت الاجتماعي بسبب تأثيراته السلبية على المجتمعات، وعلى تحقيق النمو الاقتصادي وإفراغه من مضمونه.اضافة اعلان
وفي هذا السياق، يؤكد العديد من الاقتصاديين والسياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في العالم، مسألة التفاوت الاجتماعي ومخاطرها الكبيرة على الناس في مختلف أنحاء العالم، والتي يعد أحد أهم مؤشراتها امتلاك عدد محدود من الناس الغالبية الكبيرة من الثروات في العالم، في الوقت ذاته الذي ينتشر فيه الفقر أفقيا وعموديا.
والفجوة تظهر بوضوح من خلال تشجيع الصندوق للعديد من الحكومات في العالم، ومنها الحكومات الأردنية المتعاقبة على زيادة الإيرادات الضريبية بأي ثمن، وتساهله في التوسع الكبير في فرض الضرائب على الاستهلاك -الضرائب غير المباشرة- بأشكالها المختلفة مثل الضرائب العامة على المبيعات والضرائب الخاصة، التي تعد المحرك الأساسي لتعميق التفاوت الاجتماعي بإجماع غالبية الاقتصاديين، بمن فيهم خبراء الصندوق ذاته، لأن هذا النوع من الضرائب لا يميز بين قدرات الناس والمؤسسات على دفع الضرائب، وهو ما يعد أحد أبرز أوجه التناقض بين توصيات الصندوق -شروطه- وبين خطابه المعلن.
رافق ذلك تشجيع أو تساهل الصندوق وخبرائه مع تطوير وتطبيق سياسات ضرائب على الدخل والثروة غير التصاعدية أو شبه التصاعدية في العديد من الدول التي تطبق برامج التكييف الهيكلي و"الإصلاح" المالي ومنها الأردن؛ حيث أدى ذلك ويؤدي الى تركز الثروة بأيدي أعداد محدودة من أصحاب الدخول المرتفعة -أفرادا ومؤسسات- الأمر الذي أسهم وما يزال في تعميق التفاوت الاجتماعي.
ولعل ضغط الصندوق على الحكومة الأردنية لإقرار قانون ضريبة الدخل المنظور أمام البرلمان في الوقت الراهن، بما يحمله من تشوهات واضحة فيما يتعلق بمستوى تصاعديته، والتي تتركز على الطبقة الوسطى من الأفراد فقط، ومحاباته لأصحاب الدخول المرتفعة من الأفراد والشركات، لدليل آخر على فجوة خطاب الصندوق المتعلق بمحاربة التفاوت الاجتماعي وبين ممارساته على الأرض التي تسهم في تعميقه.
يضاف الى ذلك أيضا تشجيع الصندوق العديد من الحكومات، ومنها الأردنية، على تطبيق سياسات عمل مرنة -بهدف تشجيع الاستثمار- هذه السياسات التي أسهمت وما تزال تسهم في إضعاف شروط العمل في مختلف الدول التي طبقت برامجه "الإصلاحية"، وأدت الى انتشار العمالة التي لا تتمتع بالحدود الدنيا من معايير العمل اللائق التي طورتها منظمة العمل الدولية.
وفي الأردن، أسهم ذلك الى اتساع ظاهرة الأجور المنخفضة وتدني الحدود الدنيا للأجور، وضعف منظومات الحماية الاجتماعية -الضمان الاجتماعي- وحرمان العاملين من حقهم في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية وغيرها من معايير العمل، ما أدى الى تعميق التفاوت الاجتماعي بشكل لافت.
مجمل ذلك يوضح الفجوة الكبيرة، بين ما يفصح عنه صندوق النقد الدولي من منطلقات وتوجهات وأهداف نبيلة، وبين ممارساته على أرض الواقع؛ حيث أدت السياسات التي يوصي بها -يفرضها- على الدول المرتبطة معه ببرامج مشتركة الى نتائج عكسية، حيث التفاوت الاجتماعي المتزايد وشروط العمل الضعيفة.