صهيب شاب يتحصن بالطموح ويتخذ من إعاقته محفزا لاجتياز شهادة الثانوية العامة

الشاب صهيب جدوع- (من المصدر)
الشاب صهيب جدوع- (من المصدر)
ربى الرياحي عمان- اختار أن يكون شغوفا بالحياة باحثا عن النجاح والتفوق دراسيا، لم يعبأ بكثرة الصعاب والعراقيل بل أبى أن يخط اسمه على جدران الحياة. صهيب جدوع كان ممن استلهموا من المعاناة دافعا لخطواتهم الواثقة، صمم أن يصنع مستقبله ويتحصن بالطموح ويحتمي بحلمه الذي أصر على ملاحقته والوصول إليه. تمكن صهيب من اجتياز شهادة الثانوية العامة وحصل على معدل 61.6، أشعره ذلك بالفخر بين كل من عرفه وأحبه، أثبت أنه ليس هناك مستحيل وأن الإيمان بالحلم مهما كان طريقه شاقا وبعيدا هو جزء من تحقيقه واقعيا. هو مثل كثيرين رفض أن تحجم أحلامه أو تصادر، بقي قابضا عليها يحشد كل الأسباب من أجل أن تبصر النور وتكون ملاذه الذي يستند إليه ويقويه حتى يستطيع أن ينتصر على قيود إعاقته الحركية والإحباطات التي ترافقها. نقص الأكسجين منذ الولادة أضعف كل عضلات صهيب الحركية، لكنه لم يتمكن أبدا من إضعاف إرادته ورغبته في العطاء. ظل محبا للحياة مصرا على مغالبتها، هو اقتنع بل وآمن بأن عليه الاستمرار والمواجهة رغم الصعوبة التي يعاني منها في النطق والمشي. مساندة أسرته له واهتمامها الكبير به، سببان ساعداه على تجاوز الكثير من المشكلات. يقول والده “الصدمة في بداية معرفتنا لوضع صهيب لم تمنعنا من أن نحيطه بحبنا ورعايتنا، صحيح أنها كانت تجربتنا الأولى لكننا مع ذلك عرفنا جيدا كيف نحتضنه ونزرع الثقة في داخله”. ويضيف “حاولنا بكل طاقتنا أنا ووالدته أن ندعمه على الأقل معنويا ونفسيا”، وحتى الظروف المادية الصعبة التي يعيشانها لم يتخذاها يوما مبررا لإهماله أو التخلي عنه، بل ظلت أسرة صهيب مؤمنة به متقبلة له تسعى بكل قوتها لأن تبرزه اجتماعيا ودراسيا غير آبهة بكل الكلام المحبط والسلبي الذي كان يقوله الناس. إصرارهم على أن يستثمروا بصهيب ويزودوه بشتى الأسلحة التي تعينه على أن يستمر في الحياة ويكون شخصا ناجحا جعلهم يطرقون كل الأبواب التي من شأنها أن توصل صهيب إلى حلمه وتمكنه من أن ينفع نفسه ويعيش بكرامة. ولأن طريق النجاح يبدأ بخطوة، فكان لا بد من إخضاع صهيب للعلاج الطبيعي الوظيفي في سنوات عمره الأولى؛ إذ التحق بمركز متخصص يعنى بتأهيل الأشخاص الذين يجدون صعوبة في الناحية الحركية، وهي الجمعية النموذجية للشلل الدماغي، وبقي فيها مدة ثلاث سنوات قبل أن ينتقل إلى المدرسة، والتي أيضا كانت تابعة لها. تلقى صهيب تعليمه الأساسي كبقية أقرانه في المدرسة النموذجية للشلل الدماغي، فلم يكن هناك أي اختلاف في المناهج، تغلبه على كل الصعوبات الدراسية التي اعترضته في تلك المرحلة كان حتما بسبب عزيمته القوية وتهيئة البيئة المدرسية للتعامل مع مثل هذه الحالات. وبعد إتمامه الصف العاشر بنجاح، كان لا بد له من الانتقال إلى مدرسة أخرى لإكمال دراسته الثانوية، وهنا وقف صهيب في تحدٍ جديد مع الحياة، فهو بالفعل تقدم لأكثر من أربعين مدرسة تقريبا، لكن بدون جدوى، جميعها وبدون استثناء رفضت استقباله واعتبرته عبئا عليها، والذريعة واحدة، وهي عدم قدرتهم على تحمل مسؤوليته، أبت تلك المدارس إنصافه وتنحية إعاقته جنبا والنظر إلى قدراته العقلية ولحقه في أن يتساوى بغيره، لم تقبل حتى بتقييمه على الأقل، وكأنه لا يستحق أن يأخذ فرصة واحدة يؤكد من خلالها أنه جدير بحلمه وبالحياة. ورغم صعوبة الظروف وإغلاق بعض الأبواب، إلا أن صهيب لم ييأس وظل منتظرا ذلك الضوء الخافت المحرض على الأمل، وقبل بدء المدرسة بأسبوع قدر لشعلة الطموح التي تسكن أعماقه أن تتقد من جديد وتهب صهيب الفرصة لأن يواصل طريقه، وذلك بفضل الله وفضل “مدارس الرأي” التي ضمت صهيب بحب واحترام بين طلبتها وافتخرت به شخصا مثابرا متحديا يمتلك من الجلد الكثير، لديه طاقة لا تنفد قادرة على تذليل كل الصعاب وتحويلها إلى نقاط قوة تؤهله لأن يعبر تلك الممرات بجدارة وتميز. يقول والد صهيب “أحد أسباب نجاح ابنه هو انتسابه لمدارس الرأي والمتمثلة بمديرها الدكتور محمد أبو عمارة”، مبينا أن قدرة الكادرين الإداري والتعليمي على النظر لصهيب كإنسان بمنأى عن إعاقته كان له دور كبير ومهم في دمجه نفسيا ودراسيا وباعتبارهم نظروا لصهيب بعين الإنصاف والتقدير وجدوا أن من الأفضل للجميع إخضاعه لفحص المستوى لمعرفة مدى إدراكه العقلي، وبالفعل تم تقييمه مدة ساعة ليكون صهيب بذلك قد سجل نقطة إضافية في رصيد تميزه، وذلك بعد اجتيازه امتحان القدرات. تكفلت المدرسة النموذجية للشلل الدماغي بتعليم صهيب الثانوي في مدارس الرأي، فمكنه ذلك من أن يعطي أكثر، ويثبت للجميع أنه قادر على أن يأخذ مكانه في الحياة مهما تعاظمت التحديات. هو ولأنه يتميز بشخصيته الاجتماعية نجح في أن يحصل على القبول بل والحب والتقدير من مدرسته، شعوره بأنه جزء منها زاد من ثقته بنفسه وأبعده نهائيا عن هاجس الغربة والانطوائية. تعزيز المدرسة لرؤيتها والقائمة على منح الأشخاص من ذوي الإعاقة حقهم في التعليم إلى جانب أقرانهم ومساندتهم وتوعية أهالي الطلبة بضرورة احترام هذه الفئة وتقبل وجودها بين أبنائهم خطوة تستحق الاحترام والاقتداء بها وتعميمها كثقافة بين جميع المدارس، مع تأكيد التعامل مع هذه الفئة الشغوفة على أساس العدل والإنسانية. حصول صهيب على معدل 61.6 لم يكن أبدا بالأمر السهل؛ إذ واجه مشكلات عدة من أهمها البطء الشديد في الكتابة، والذي استطاع أن يتغلب عليه داخل المدرسة بمساعدة الطلاب والمعلمين له وتعاونهم الكبير معه قد كانوا يصورون المواد المطلوبة منه على هاتفه الشخصي، ويقوم هو بتفريغها على مهله في البيت وتلخيصها، ومن ثم دراستها. أما المشكلة الثانية التي تعرض لها صهيب، وهي كتابة الامتحانات الوزارية، فقد رفضت الجهات المخصصة التعاون مع وضعه وتأمين جهاز حاسوب له، ليتمكن من الإجابة بمفرده كونه يجد صعوبة كبيرة باستخدام القلم، وحتى بعد تقديم تقرير طبي يكشف بدقة وضعه الصحي، الحل الوحيد الذي تم اقتراحه من قبل الجهات المسؤولة هو توفير كاتب لصهيب يعينه على اجتياز الامتحانات، فكان التحدي الجديد هو الخوف من عدم قدرة الكاتب على فهم كلام صهيب وتعلق مصيره بمدى تمكن الكاتب من نقل ما يمليه عليه صهيب من إجابات بطريقة صحيحة تضمن له النجاح. صهيب اليوم يتطلع إلى الالتحاق بالجامعة ويطمح إلى دراسة تخصص تكنولوجيا المعلومات، هو وبعيدا عن كل العوائق والمخاوف، يقرر الصمود ويراهن على قدراته وعلى تلك القلوب التي تؤمن بالإنسان كإنسان. صهيب، ورغم أحلامه الكبيرة التي تصر على معانقة السماء، إلا أن الحالة المادية الصعبة لأسرته تقف عائقا حقيقيا في طريقه وتقيد ولو مؤقتا ذلك الطموح الذي يحفزه على الركض خلف ما يتمنى. هو فقط يحتاج إلى الدعم المادي ليستطيع أن يحلق عاليا بأجنحته نحو مستقل مشرق زاخر بالعطاء والإنجاز.اضافة اعلان