صوت الثقافة يلقي بظلاله على أحداث ميدان التحرير

عمّان- يعلو صوت الثقافة بعد أن فرضت نفسها على الجمهور الحاضر في ساحة ميدان التحرير بالقاهرة، والمتابع عبر الشاشات الفضائية، ليطغى على الجانب السياسي في مرحلة جديدة فرضت التغيير في الوطن العربي.

اضافة اعلان

يشاهد الجمهور وهو يرصد الأيام المتلاحقة في ميدان التحرير، مفردات وألوان الثقافة العامة من مسرح واسكتشات وفن كاريكاتير وتعابير مختلفة من شعارات وهتافات ونداءات، ويسمع قصصا وحكايات كلها مستوحاة من المشهد العام للحدث وكأن المتابع أشبه ما يتوقف أمام كوميديا سوداء.

فالثقافة هي روح الأمة وهويتها وعنوان كبريائها، وهي من أهم الركائز في بناء الأمم ونهوضها ورقيها، والثقافة كما هو معروف أفكار ومفاهيم وأقوال ترسم الطريق وتعمل على تقويم السلوك الإنساني. فعندما تتشكل مجموعات شبابية من بين الملايين التي تتظاهر، فكأنما تظهر تقاليدها وقيمها ولغتها وسلوكياتها عبر إبداعات وفنون متعددة تتغنى بالوطن وتستفيد منها بقية الشعوب في معرفة خصائص هذا الشعب وعلاقته بمحيطه.

وتلمس حركة التفاعل بين الإنسان وما يدور حوله من خلال الشعارات البليغة التي تتحدث عن مضمون الحدث الذي يجعل الناس يخرجون في مظاهرات كبيرة، حيث تجد العبارات التي تتحدث عن هذه الحركة، مثل ما تقول شعارات:"حل بأه ايدي وجعتني" ففيها من الألم الذي يعيشه الإنسان والتمني بالخلاص من الوضع القائم ،

و"اعتصام واعتصام حتى يسقط النظام " وغيرها.

ومع التوسع في النشر وتسارع الأخبار حول الأحداث تتوالد شعارات جديدة أيضا خاصة مع بيان جوانب من الفساد في النظام الراحل بعد ان تناقلت وكالات الأنباء عن ثرواث لشخصيات ورجال أعمال وغيرهم ، حيث تظهر شعارات مثل "يا جمال قول لبابا ارحل انت والعصابة" و"اليوم آخر يوم"، ثم تظهر السخرية في الشعارات التي ترفع أمام الجمهور مثل " إن حظر التجول غير سار إلا على الرئيس" فيه إشارة واضحة الى انه الوحيد الذي لا يخرج من بيته، لكنه خرج فيما بعد مرغما وتغيرت الشعارات.

وتتجدد الأفكار الإبداعية بين الجمهور مع كل يوم لا تتحقق فيه أمنياتهم، حيث يظهر التراث والفلكلور واضحا من خلال قيام مجموعات بعمل حلقات "الزار" وهي عبارة عن رقصات خفيفة على إيقاع قرع الطبول بشكل صاخب، وهذا الرقص ينتشر في كثير من القرى والأرياف المصرية، حيث يعتقد بعضهم بقدرته على إخراج الجن المتلبس بالإنسان، فيبتدعون على مسرح ميدان التحرير كلمات تتوافق على هذا التراث الفني بقولهم " ارحل ..حي حي حي الله حي". ثم يقولون "نعملك ايه تاني، مظاهرات وعملنا، واعتصامات وعملنا، حتى الزار عملناه عاوز إيه تانى".

هي ساحة تتوالد فيها الأفكار، فالثقافة لا تظهر على الإنسان في ألفاظه ولباسه ومظهره ونظام حياته فقط، وإنما تؤثر في سلوكياته وشخصيته وفي كلامه وحديثه مع الآخرين، حيث تتوضح في أفعاله بإطار من الوعي الإنساني، وتصبح مع الزمن جزءا من التراث والفلكلور، فمثلا عندما ووجه هؤلاء المعتصمون في ميدان التحرير باتهامات بأنهم عملاء للخارج وهناك جهات تقوم بدعمهم وتوفر لهم كل المستلزمات حتى الوجبات الغذائية رد عليها المحتجون بشعارات وأغان رددوها أمام الجمهور مثل:"أنا مندس..أنا مندس، هاتلي أجندة ووجبة وبس من هارديز أو من كنتاكي، هاتلي وجبة دينر بوكس أو سوبر زنجر من غير خس".

هذه هي الثقافة الحقيقية التي تؤكد أن الانسان يختارها وفقا لما يحيط به، فتتحدد مواقفه الإنسانية نتيجة لمعرفته بأمور الحياة، فيعيشها بسلوكياته ومظاهر حياته، وعندما يريد شعب المحافظة على بلده، فكأنه يحافظ على روح حضارتها وتاريخها وهويتها وكبريائها فيعيد ثقافته إلى الواجهة وان كانت عبر سخونة الحدث السياسي.