صيغة جديدة لأولوياتنا

العين هيفاء نجار *

لا نستطيع إلا أن نكون مع الوطن الذي يتبرعم في حنايا نفوسنا، هو ذلك الدم الأبدي النابض في أعماقنا وأعماق الأرض، فالوطن إيمان جديد بطاقاتنا، وحقنا في السعي لحياة أسمى، واستعدادنا التام للعمل لأجل مستقبل أكثر بهاء. هو وطننا في السراء والضراء، في مصاعبه وتحدياته ونجاحاته وإنجازاته، ولذلك علينا أن نخرج بصيغة لترتيب أولوياتنا ونحن نتعافى من الجائحة.
ينبغي أولاً تأكيد أهمية الأمن الاجتماعي والوطني الأردني، الذي يتحقق من خلال سيادة دولة القانون، وقد كرس جلالة الملك الورقة النقاشية السادسة لسيادة القانون والدولة المدنية، فشعور المواطن بأنه يعيش تحت سقف القانون، وأن ما ينطبق عليه ينطبق على غيره يمنحه الأمن والطمأنينة والطاقة الإيجابية. علينا تكريس القوانين والتشريعات التي تعطي كل ذي حق حقه، فالمرأة الأردنية ما تزال تشعر بالغبن وترى أن حقوقها منقوصة هنا ومجزوءة هناك، وهذا يؤثر على عطائها وإنتاجها. إننا بهذا التمييز نعطل نصف المجتمع عن الاضطلاع بدوره، ومن شأنه التأثير على مناحي الحياة جميعها اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، لذلك لا بد من قوانين وتشريعات تمكّن المرأة لتحلّق في سماء الإنتاج والإبداع والابتكار.
أما التعليم فهو ركيزة مهمة من ركائز وطننا، وشبابنا هم رأس مال هذا الوطن وعقله، وقد آن الأوان، بعد كل ما أفرزته جائحة كورونا، أن نعيد النظر في ما يتصل بعملية التعليم والتعلم، وإجراء دراسات بحثية دقيقة حول ما نتج عن الجائحة من فقد للمهارات التعلمية والأساسية ليتسنى لنا وضع الخطط والاستراتيجيات اللازمة لردم الفجوة الناتجة، والاستثمار في فرصة التعلم عن بعد وتحويلها أداة جديدة يتم استغلالها خير استغلال. وفي الوقت ذاته نؤكد دعوتنا لإعادة فتح المدارس، خصوصا مرحلتي رياض الأطفال والصفوف الأساسية الأولى لنمكّن طلبتنا من الاستفادة من أساليب التعلم الوجاهي، مع استغلال التعلم عن بعد. علينا الاهتمام بالتعليم بشقيه المدرسي والجامعي، والحث على البحث والسؤال لتخريج منتج مساهم فاعل في عملية التنمية بشتى أشكالها وتجلياتها. وقبل ذلك دعم المعلم وتجويد أدواته وتحسين مستوى معيشته لكي يعطي بإخلاص وتفان. ثم علينا تحسين البيئة المدرسة بشكل كامل وبناها التحتية.
القطاع الصحي أيضاً واحد من أهم القطاعات التي تحتاج الالتفات والدعم، وتوفير الوسائل لتطويرها، لنضمن صحة المواطن وسلامته وعافيته وجودة الخدمة الصحية الجسدية والعقلية والنفسية المقدمة. علينا العمل لرفع سوية القطاع الصحي من خلال تدريب وتطوير الكوادر الطبية، وتوفير ما يلزم لتقوم بعملها على أكمل وجه، وإطلاق العنان للطاقات الطبية والبحثية لمواصلة العلم والتطوير والبحث، وتحسين المستشفيات الحكومية والخاصة، وبناء الشراكات بينها لتبادل الخبرات والاستفادة من برامج تدريب مشتركة، إضافة لدعم الصناعات الدوائية وصناعات الأجهزة الطبية التي يشكل تصدير منتجاتها مورداً مهماً للاقتصاد الأردني. وفوق ذلك علينا إيلاء السياحة العلاجية اهتماماً أكبر لتغدو مورداً مهماً من موارد الدولة.
جائحة كورونا كشفت أهمية الزراعة والتصنيع الغذائي والصناعة بكافة أشكالها، وقد شدد جلالة الملك في أكثر من لقاء على توفير الأمن الغذائي في الأردن، فالزراعة وما يتبعها من تصنيع تشكل مورداً كبيراً من موارد الخزينة إن أحسنّا استغلالها، كما تحتاج أيدٍ عاملة كثيرة، وبالتالي توفر عملاً لكثير من شابات وشباب وطننا، فتقضي على جزء كبير من البطالة، لذلك فإن من واجبنا دعم هذين القطاعين دعماً مادياً ولوجستياً وقانونياً، وفتح أسواق عربية وعالمية لمنتجاتهما، وإعادة النظر في ما يترتب عليهما من ضرائب، ولا سيما صغار المزارعين والصناعيين. ولعل مشروع تأجير أراضي الدولة لمواطنين ليقوموا بفلاحتها هو مشروع ريادي يسهم في تنمية الزراعة، أتمنى أن نباشر به في أسرع وقت، فالفكرة قد نضجت وينتظر التنفيذ. وفي الوقت نفسه علينا دعم وتشجيع الصناعات الأردنية الكبيرة وتوفير التسهيلات اللازمة من أجل تحقيق حركة التصدير المرجوة التي تنعش الاقتصاد الوطني، وتقلل من حالة الركود الاقتصادي فيتحقق الازدهار والرخاء.
يحفل وطننا بطاقات شبابية جبارة، ولديهم شغف كبير لخدمة وطنهم، إنهم يمتلكون ذهنية المبادرة والخدمة، ويتوقون إلى أن ترى مبادراتهم النور وتحظى بالدعم والرعاية. ولذلك من واجبنا - أفراداً ومؤسسات وقطاعاً خاصاً - دعم هؤلاء ورعاية مبادراتهم، وهنا يتجلى دور الشركات الخاصة والمؤسسات المختلفة لتضع أيديها بأيدي القطاع العام لتدعم توجهاته وترعى المبادرات الخلاقة. إن ثقافة البناء مغيبة لدينا، حيث نمارس ثقافة التكديس لا البناء، ومن أجل تكريس البناء علينا قراءة الواقع بعين الرائي الباحث الذي يبحث عن الحلول وليس عن توصيف ذلك الواقع، حيث علينا الاحتفاء بالمنجزات والبناء عليها، وتطوير أسلوب الحلول البدائلية بعيداً عن اللوم والعتاب والانتقاص والتهميش والشخصنة.
وأخيراً أقول بالرغم من حجم اليأس والإحباط الذي يسيطر على المواطن الأردني إلا أن هناك زهوراً خضراء تشق طريقها نحو الحياة، وتمنحها الأمل بأن عقولاً مبتكرة وأيادي عاملة وشراكة متينة ومحبة وولاء قادرة على مسح غبار الإحباط ليحل محلها ألق الرغبة بالتغيير، وتفاؤل كبير بمستقبل مشرق لنا ولأبنائنا وأحفادنا ولوطننا الذي لا نستطيع إلا أن نكون معه دوماً.

اضافة اعلان

*المديرة العامة للاهلية والمطران