ضانا: الحكومة تكتفي بملايين السياحة وتستغني عن بلايين النحاس

منظر عام لجبال ضانا الصخرية الغنية بالنحاس-(تصوير: محمد أبوغوش)
منظر عام لجبال ضانا الصخرية الغنية بالنحاس-(تصوير: محمد أبوغوش)

ضانا- ما يزال تطوير منطقة ضانا يشهد جدلا واختلافا في الرؤى بين مراقبين يطالبون بالاستفادة من ثروات تزخر بها المحمية من معادن، وبين مسؤولين يسعون إلى توفير منتجات سياحية تثري الدخل القومي.
ففي الوقت الذي يدعو فيه جيولوجيون إلى ضرورة إحياء مشروع استخراج النحاس في ضانا، نظرا لجدواه الاقتصادية على المدى البعيد، كما يعتقدون، تؤكد جهات سياحية أن خطط تكريس المنطقة كمحمية خطوة في الاتجاه الصحيح لإثراء المنتج السياحي الأردني.
ووسط مطالبات جادة من خبراء وجيولوجيين باستغلال ما وصفوه بـ"أنه ثروات كامنة في أراضي ضانا"، يؤكد مسؤولون مشرفون على الموقع أنه، بحسب الدراسات، لم تثبت جدوى اقتصادية فعلية لأي من المعادن في أرض تلك المنطقة، ويؤكد هؤلاء أن ضانا تحولت إلى محمية بعد أن تخلت عنها سلطة المصادر الطبيعية.
ويقدر سعر طن النحاس في الأسواق العالمية بنحو 10.200 دولار في حين تم إعداد دراسات عدم الجدوى الاقتصادية في وقت كان سعر الطن 600 دولار. 
دعوات الجيولوجيين لاستخراج "ثروة" ضانا من النحاس تأتي في إطار "حلم" يراود كل أردني للبحث عن موارد ذاتية من الطاقة والمعادن في ظل الاعتماد الكبير على الاستيراد من الخارج.
ووفق تقديرات النقابة، فإن الاحتياطيات الموجودة تقدر بنحو 900 ألف طن موزعة على قرابة 60 ألف كم مربع.
وكان أول اكتشاف للنحاس في الاردن في بداية خمسينيات القرن الماضي في منطقة ضانا/ وادي عربة، بحسب سلطة المصادر الطبيعية، حيث جرت أعمال تعدينية واستخراجية للنحاس آنذاك بعد أن استدل عليها من خلال وجود الخبث(SLAG) والمناجم القديمة في منطقة خربة النحاس – الجارية وبعض المواقع الأخرى.
وتتواجد تمعدنات النحاس ضمن تكوينين جيولوجيين (تكوين أبوخشيبة الرملي وتكوين البرج دولومايت طفل) في مناطق تمتد بطول حوالي 70 كم وعرض 15كم على طول الجهة الشرقية لمنطقة وادي عربة، بدءا من الجهة الجنوبية للبحر الميت وحتى منطقة أبوخشيبة. وتتميز مناطق التمعدنات بصعوبتها الطبوغرافية والجبلية التي تصل ارتفاعاتها إلى 1000م عن سطح البحر.

اضافة اعلان

عطاء جديد خارج حدود المحمية
يقول مدير الجمعية الملكية لحماية الطبيعة يحيى خالد، إن "سلطة المصادر الطبيعية أعدت دراسات سابقة قبل إنشاء المحمية في منطقة فينان التي تضمها المحمية حاليا، إلا أن نتائج تلك الدراسات أثبتت عدم جدوى اقتصادية لتعدين النحاس في هذه المنطقة".
ويشير خالد إلى أن "الحكومة ممثلة بسلطة المصادر الطبيعية رفعت أخيرا خريطة للمواقع المقترحة لطرحها في عطاء جديد لاستخراج النحاس وتعدينه"، مبينا أن هذه المواقع خارج حدود محمية ضانا لحمايتها والحفاظ عليها.
وتمتد حدود محمية ضانا من محافظة الطفيلة إلى الجزء الغربي من محافظة العقبة، ويوضح أن "تحديد حدود المحمية جاء بناء على نتائج دراسات سلطة المصادر الطبيعية".
ويقول إن "سلطة المصادر الطبيعية وشركات أجنبية ومحلية أجرت دراسات لاستخراج النحاس لأكثر من 30 عاما، ولم تثبت جدواه الاقتصادية، وبناء على نتائج هذه الدراسات قامت سلطة المصادر الطبيعية في العام 1996 بالتنازل عن مركزها التعديني في منطقة فينان لصالح إدارة محمية ضانا، لتقوم بتطويره كمركز سياحي وكبديل أكثر جدوى اقتصاديا وأكثر استدامة من التنقيب عن النحاس".
ويبين خالد أن مجلس الوزراء "رفض في السابق التصديق على عطاءين للتنقيب عن النحاس أو انطلاقا من عدم جدواه الاقتصادية" مؤكدا أنه "لا يشكك في الدراسات التي يعدها خبراء ومختصون جيولوجيون إلا أنه يستند إلى نتائج دراسات رسمية معلنة سابقا".
ويشير خالد إلى أن "المعايير العالمية حددت آثارا سلبية للتنقيب عن النحاس، ومنها تدمير الموائل الطبيعية من خلال اقتطاع جزء كبير من البيئة الصحراوية التي تعتبر موئلا مهما للحياة البرية الصحراوية".
ويضيف إن "عمليات تعدين النحاس ستؤدي إلى نشر التلوث بالمعادن الثقيلة في منطقة وادي عربة، ولمساحات تتجاوز حدود المحمية".
ويشير خالد إلى دراسات أعدتها جهات محايدة مثل معهد الآثار البريطاني وجامعة آل البيت، تثبت أن متبقيات التعدين والكائنات الحية المختلفة ترسبت منذ آلاف السنين في التربة، وأن تلك الدراسات تؤكد أن الملوثات ما تزال على عمق يقارب 15 سم تحت سطح التربة، وأن أي نشاط تعديني في المنطقة سينشر هذه الملوثات في المنطقة، بالاضافة إلى الملوثات الجديدة التي ستطرأ على التعدين الجديد، ما يؤدي إلى تلويث مناطق كبيرة جدا وجعلها غير صالحة للحياة.
وبخصوص المياه الجوفية، يؤكد خالد أن "التلوث الذي قد ينجم عن التعدين سيصل إلى تلك المياه، ما يهدد بالقضاء على مصادر الحياة المختلفة، إضافة إلى استنزاف الموارد الطبيعية من خلال إنشاء بنية تحتية كبيرة، كالشوارع ومساكن العمال، كما أن صناعة تعدين النحاس من الصناعات المستنزفة للمياه غير المتوفرة في منطقة وادي عربة ومصادرها غير مستدامة".
ويشير خالد الى أن عمليات تعدين النحاس "ستدمر المواقع التاريخية والأثرية التي يمكن أن تستغل كالمناطق السياحة والتي تدر دخلا على سكان المنطقة مثل خربة النحاس وخربة فينان... وغيرهما من المناطق".
ويبين أن "الإضرار بطبيعة المنطقة سيهز ثقة المؤسسات العالمية بالأردن تحت حجة إخلال المملكة بالتعهدات الدولية التي وقعت عليها، والتي تشمل عدم الإضرار بمحمية ضانا أو اجراء عمليات تنقيب فيها".     
كما يؤكد خالد أن "المواد الكيماوية التي تستخدم في تعدين النحاس تخلف تلوثا بيئيا كبيرا في منطقة ضانا، ويمكن أن تمتد آثارها إلى البحر الميت والمزارع في وادي عربة".
نقابة الجيولوجيين تؤكد وجود ثروات كامنة
نقابة الجيولوجيين تتبنى رأيا يخالف وجهة نظر الجمعية العلمية الملكية لحماية الطبيعة، إذ تؤكد وجود النحاس بكميات مجدية اقتصاديا وأن تلك الكميات تحقق عوائد أعلى من تلك المتأتية من تحويل ضانا إلى محمية.
ويؤكد نقيب الجيولوجيين بهجت العدوان أن أطراف المحمية تشتمل على احتياطي كبير من خام النحاس، خصوصا في منطقتي وادي الجارية ووادي خالد.
ويرد العدوان على التحذيرات من وجود آثار سلبية بيئيا لعمليات تعدين النحاس في منطقة ضانا، قائلا "هناك أساليب حديثة متبعة عالميا بإمكانها الحفاظ على البيئة من دون أن تؤثر على المحيط الحيوي في منطقة التنقيب".
سلطة المصادر الطبيعية
مساعد مدير عام سلطة المصادر الطبيعية درويش جاسر، يقول إن السعر العالمي للنحاس وقت إعداد الدراسات السابقة في ثمانينيات العقد الماضي، لم يكن ذا جدوى اقتصادية إذ لم يكن يتجاوز سعره في ذلك الوقت 600 دولار، أما حاليا فسعر الطن يتجاوز 10 آلاف دولار.
ويؤكد جاسر أن مكامن النحاس ما تزال غير مكتشفة بشكل كامل ما يحتم ضرورة التنقيب عليها، غير أن العمليات غير متاحة داخل حدود المحمية حاليا بقرار من مجلس الوزراء.
ويشير جاسر الى أن المناطق الجديدة المحددة للتنقيب عن النحاس والمعادن تقع خارج حدود محمية ضانا، إذ تحضر السلطة لطرح عطاء لاستقطاب اهتمام الشركات العالمية المتخصصة بهذا المجال.
ووقعت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة العام 1994 اتفاقية بشأن تحويل ضانا الى محمية مع البنك الدولي، يمنع بموجبها التنقيب عن النحاس في منطقة محمية ضانا حفاظا على بيئتها الطبيعية.
ويشير جاسر إلى أن الحكومة وضعت المحمية في الاستراتيجية الوطنية لحماية التنوع الحيوي كإحدى اهم المحميات الطبيعية، مشيرا الى ان  ضانا تعد ثاني أهم موقع أثري في جنوب الاردن بعد البتراء، وأن تدمير المنطقة والحياة البيئية فيها لأغراض التعدين سيضر بتنوعها الحيوي.
ضانا أكبر مصدر للنحاس في العصر الروماني
وتأسست المحمية العام 1993 بعد دراسات بدأت العام 1991 وتم اعلانها محيطا حيويا منذ العام 1998.
وتشير الاحداث التاريخية إلى أن قرية ضانا كانت أكبر مصدر للنحاس في فترة الرومان، وأن قرية ضانا كانت موضعا لمراقبة عمليات تعدين النحاس القديم في منطقة فينان على الحدود الجنوبية الغربية للمحمية، ويعتبر المؤرخون هذا الموقع ثاني أهم تجمع أثري في جنوب الاردن بعد البتراء، أما المواقع الاثرية الأخرى في المحمية فتضم قلاعا عسكرية تعود إلى العصر الهليني والعصور الإسلامية المبكرة.
خبراء يدعمون تنقيبا مشروطا
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور قاسم الحموري "إن أي مشروع لاستخراج المواد الخام لا بد أن يرافقه دراسة جدوى اقتصادية واجتماعية تظهر الأضرار الاجتماعية والبيئية التي ستلحق بالمواقع التي تقام بها تلك المشاريع".
ويضيف الحموري "إذا كان استخراج المواد الخام كالنحاس والصخر الزيتي يؤدي الى أضرار بيئية مثل تهديد الحيوانات النادرة والبيئة الطبيعية، فلا بد من الابتعاد عن تلك المشاريع، لاسيما أن آثارها السلبية ستظل لسنوات طويلة لا يمكن من خلالها إصلاح ما تم تدميره".
بدوره، يشدد أستاذ الاقتصاد الدكتور عبد الخرابشة على أهمية وجود خطة دقيقة يراعى فيها الجانب البيئي والموارد الطبيعية، بأن نعمل على استخراج الثروات الوطنية من دون المساس بسلامة المحيط البيئي.
ويقول إن "الثروات الطبيعية كالصخر الزيتي والبوتاس مهمة جدا لتنمية الاقتصاد الوطني وتشغيل الأيدي العاملة، ما يدعو لضرورة استخراج تلك الموارد مع مراعاة الحفاظ على البيئة وتجنب تهديداتها".