ضحايا الجولان.. بين الأسد وإسرائيل

على مبدأ "قتلهم من أخرجهم"، تزعم إسرائيل أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد هو الذي دعم التظاهرات يومي النكبة والنكسة لاختراق حدود هضبة الجولان المحتل والاحتكاك مع الجيش الإسرائيلي، تلك الحدود التي وصفت بالهادئة لـ40 عاماً، وذلك لصرف الأنظار عن أزمة الاحتجاجات المطالبة بالحرية داخل سورية.
فمن جديد يمتزج الدم العربي الفلسطيني بثرى الأرض المحتلة، ليرسم مشهداً بطولياً مهيباً صنعه حشد من الشبان والشابات الفلسطينيين والسوريين، تنادوا منذ الصباح في ذكرى النكسة ليؤكدوا استكمال مسيرات العودة والتحرير التي انطلقت في ذكرى النكبة يوم 15 أيار (مايو) 2011.
مشهد بطولي مهيب معمد بالدم الطاهر الزكي لشبان اشتد بهم الشوق إلى رائحة البيوت وحقول التفاح في الجولان المحتل، وبساتين الزيتون والبرتقال في يافا واللد والرملة والخليل وطولكرم.. وإلى عبق القدس وقرى عنابة وجمزو وقوليا والعباسية وترشيحا والطنطورة والطيرة وبيت دراس.. وكل المدن والقرى الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948، فتوافدوا منذ ساعات الصباح الباكر إلى أقرب مكان إلى الشريط الشائك الذي يفصل الجزء المحتل من الجولان على الحدود السورية مع الأراضي الفلسطينية، ثم ازداد توافد الجماهير الزاحفة نحو موقع عين التينة المقابل لقرية مجدل شمس المحتلة، وإلى مدينة القنيطرة والحميدية والعديد من النقاط المحاذية للشريط الشائك، مجتازين حقولاً مزروعة بألغام الحقد الصهيوني، أو ربما عبروا فوقها غير آبهين بها، وهي الجاثمة فوق تلك الأرض عشرات السنين.
وجرياً على العادة، وانطلاقاً من شهيتها للدم العربي، فإن قوات الاحتلال راحت تستهدف الحشود بالرصاص الحي وقنابل الغازات السامة، وحتى القنابل الفوسفورية، لترتكب مجزرة جديدة قضى فيها أكثر من 26 شهيداً، بينهم شابة هي "إيناس شريتح" وطفل هو "محمود عوض الصوان"؛ إضافة إلى أكثر من 370 جريحاً، استهدفهم رصاص حي وبشكل مباشر أطلقه جنود الاحتلال على الرؤوس والصدور بنيّة مبيتة للقتل، واستكمل جريمته الشنيعة باستهداف الإعلاميين الذين كانوا يرصدون إجرامه، ما أسفر عن استشهاد الصحافي صبحي عزت مسودة، ثم باقتحام قرية مجدل شمس من قبل القوات الخاصة من دون وجود أي مسوغ أمني أو غير أمني لذلك.
ونشرت قوات الاحتلال العشرات من القناصين على الشريط الشائك، كما أشعلت النيران بالقرب من الشريط الشائك لمنع الشبان من الاقتراب، كذلك أطلق جنودها الرصاص الحي على طواقم الإطفاء والإسعاف في موقع عين التينة ومعبر القنيطرة لمنعها من إسعاف الجرحى.
يقول: "لن أموت أنا وأولادي إلا على أرض أجدادي، وصلت المرة الماضية إلى مجدل شمس، وعدت اليوم وأنا مصمم على أن أصل إلى داخل فلسطين المحتلة، وسأعود الآن بعد أن أزالوا الرصاصة من رجلي لأعبر إلى داخل الأراضي المحتلة، فنحن ندافع عن شرف الأمة العربية"، هذا ما قاله المصاب حسين محمد دواه.. تلك الكلمات من الصعب أن تجد أثرها إلا في قلب من يعاني مرارة اللجوء والغربة.
في المحصلة، صحيح أننا لا نؤيد الرواية الإسرائيلية ولا نصدقها مطلقاً، ونعتبرها ذريعة إجرامية تقدمها حكومة نتنياهو-ليبرمان اليمينية المتطرفة، ولكن لنا أن نقف أمام سماح السلطات السورية لهؤلاء الشبان بالوصول إلى تلك المنطقة، علماً أن الوصول لها عادة يحتاج إلى تصاريح أمنية شديدة التعقيد، وهي مطبّقة حتى على أهالي القرى المجاورة وأصحاب الأراضي الزراعية هناك، فلماذا كانت تلك السهولة في الاختراق وبأعداد كبيرة؟ الإجابة ليست صعبة كثيرة قياساً مع حمامات الدماء المراقة في الداخل السوري، وابتعاد اللاجئين الفلسطينيين عن الخوض في العملية الثورية، على الأقل إعلامياً، وهو ما لا تريده آلة القتل الأمنية السورية، من منطلق إثبات ولاء الفلسطينيين الموجودين في سورية لحكم آل الأسد، وتدليلاً على أن انشغال الحكومة بإخماد الثورة أضعف رقابتها على حدود الجولان المحتل بعد سنين من السيطرة الكاملة عليها.. ولكن باعتقادي أن القضايا أصبحت مفضوحة كشعاع الشمس في رابعة النهار!

اضافة اعلان

[email protected]