ضرب الطفل على وجهه.. شعور بـ"الإهانة" سيرافقه العمر برمته!

Untitled-1
Untitled-1
مجد جابر عمان- ما يزال الكثير من الآباء يجدون بالضرب وسيلة لتقويم سلوك الأبناء وحثهم على الانضباط والتعلم عند ارتكاب الأخطاء، غير آبهين لخطورة هذا الأمر على الطفل، وشعوره مع الوقت بـ"الانكسار والإهانة". ضعف الشخصية والقدرة على التعاطي مع الآخرين، وتدني احترام الذات، ذلك وأكثر يسببه الضرب بشكل عام، ويأتي الضرب على الوجه، ليكون الأسوأ وأحد أشكال الإهانة وانتهاك الكرامة التي قد يتلقاها الطفل، فالوجه له خصوصية وهوية تحدد كل شخص عن غيره. اختصاصيون اعتبروا أن الضرب بكل أشكاله هو أمر مرفوض وخاطئ، ولا يمكن اعتباره أسلوبا بالتربية على الإطلاق، والضرب على الوجه هو الأكثر خطورة لأنه يترك اثارا نفسية كبيرة على الشخصية، يصعب معالجتها مع الوقت أو حتى نسيانها، الى جانب العواقب الجسدية على الطفل والتي تصل الى عاهات مستديمة. وأظهرت دراسة ميدانية حول العنف ضد الأطفال في الأردن أجرتها منظمة اليونيسف العام 2007 شملت 5489 طفلا ممثلة لمناطق المملكة كافة، وهي آخر دراسة مسحية حتى الان؛ أن 52 % من أطفال الأردن أفصحوا عن تعرضهم للعقاب الجسدي في المنزل وأن 34 % من الأطفال وصفوا هذا العقاب بأنه شديد. وبينت الدراسة أن العقاب تجاوز 6 مرات شهريا لدى 44 % من الأطفال الذين تعرضوا للعقاب الجسدي، وكان يتصف بالاستمرارية؛ أي أكثر من 15 مرة شهريا، لدى 25 % من هؤلاء الأطفال. وتراوحت أشكال العقاب الجسدي الذي تعرض له الأطفال في الأردن من أشكال وصفت أنها طفيفة كالصفع والقرص وشد الشعر والدفع ولي الساعد أو الساق، ولي الآذان أو الإجبار على البقاء في أوضاع قسرية، وبعضهم وصفها أنها شديدة كاستعمال العصا والحبال والأسلاك والعض والحرق بأدوات ساخنة والسمط بالماء الحار وفي بعض الأحيان كان تتصف بالتعذيب من مثل الجلد المتكرر بالسوط والركوع أو استخدام مواد وبهارات حارة. وبينت الدراسة أيضا أن من وجهة نظر الأطفال كانت أسباب تعرضهم للعقاب الجسدي أمورا تتعلق بأدائهم المدرسي في 56 % من الحالات وإلى التصرفات المزعجة وغير المقبولة في 53 % من الحالات وإلى ارتكاب الأخطاء وانعدام الانضباط والسلوك السيئ في 52 % من الحالات. وفي ذلك، يذهب الخبير في حقوق الطفل والوقاية من العنف ومستشار الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان، إلى أن كل أشكال الضرب التأديبي للأطفال لها عواقب سلبية جسدية ونفسية ولم يثبت علميا بالأبحاث المسندة أي فائدة لها بتعديل سلوك الأطفال أو تربيتهم. وبالتالي، فإن عرض عواقب الصفع على الوجه لا يعني بأي حال من الأحوال أن الضرب على المناطق الأخرى من الجسم مقبول أو ذو فائدة، إلا أن أخطره على الوجه. ويشير جهشان لـ"الغد" إلى أن هناك أشكالا للضرر الجسدي الناتج عن الصفع والضرب على الوجه، بسبب حركة الطفل أو الحالة العصبية للمسيء، وليس بالضرورة أن يكون الصفع محصورا في منطقة الخد، فهناك إصابات في المنطقة التي تعرضت للارتطام بيد المسيء والتي قد تشتمل على نزف وكسور عظم الأنف أو ثقب في طبلة أذن الطفل. كذلك، قد يصل الأمر لفقد جزئي أو كلي بالسمع وحدوث عاهة دائمة، أو تمزق في اللثة وكسور بالأسنان، أو إصابات محجر العين أو كرة العين ذاتها، وقد يكون مكان ارتطام اليد فروة رأس الطفل ويكون هناك ضرر مباشر للدماغ وخاصة بالمنطقة الصدغية الجانبية لرأس الطفل حيث يمر أربعة أعصاب قحفية. إلى ذلك، سقوط الطفل وارتطام رأسه بالأرض أو بالحائط حين تعرضه للصفع، أو أثناء هربه من تكرار الصفع فيرتطم جسمه وخاصة رأسه بأثاث المنزل، وما قد يرافق ذلك من عواقب إصابات الرأس. وقد ثبت بأحد الأبحاث المسندة أن الصفع على وجه الأطفال بعمر أقل من خمس سنوات يعد من أشكال "متلازمة الطفل المرتج" وما يرافقها من إصابات في الدماغ وأغشيته وعواقب عصبية مباشرة أو غير مباشرة وأهمها ظهور الإعاقات العصبية بعد أشهر أو سنوات على شكل إعاقات سمعية وبصرية وصعوبات بالتعلم. وبدراسة مسندة أخرى، وفق جهشان، تبين أن الضرر الناتج عن إصابات الرأس مهما كانت بسيطة هو شيء تراكمي مع التكرار، وأن الضرر على إصابات الوجه والرأس ليس مرتبطا بقوة الارتطام، فقد ينتج عن قوة بسيطة كالصفع، وأن أي ضرر في منطقة الرأس والوجه هو خطر له عواقب سيئة. الى جانب أن تكرار الصفع يؤدي الى عواقب عصبية مزمنة ترافق الطفل طوال حياته؛ حيث يؤدي الصفع المتكرر الى نخر للخلايا العصبية للدماغ، وهذا لا تظهر عواقبه إلا بعد سنوات عدة. ويضيف جهشان "أن العواقب المباشرة عند التعرض للإيذاء الجسدي تشمل عزلة الطفل والخوف وفقدان القدرة على الثقة بالآخرين، وهذا يؤدي إلى عواقب نفسية مدى الحياة والتي تشمل الاكتئاب وتدني احترام الذات والفشل في العلاقات الأسرية والمهنية ومع الأصدقاء". والضرب التأديبي المتكرر مرتبط لاحقا بالمعاناة من اضطرابات الشخصية والقلق، والاضطرابات العاطفية، وكبح التطور العاطفي الطبيعي، وانخفاض التحصيل الدراسي. وصادق الأردن على اتفاقية حقوق الطفل، وهو ملزم أخلاقيا بتطبيق توصيات دراسة الأمين العام للأمم المتحدة المتعلقة بالعنف ضد الأطفال، إلا أنه وللأسف هناك إخفاق في تنفيذ التوصية المتعلقة بحظر العقوبات الجسدية ضد الأطفال، فالقانون الأردني ما يزال يبيح الضرب التأديبي للأطفال بنص المادة 62 من قانون العقوبات وتنفيذ التوصية يستدعي ليس فقط إلغاء السماح بالضرب التأديبي الوارد بالمادة 62 عقوبات، بل أيضا بإيجاد المواد القانونية التي تجرم الضرب التأديبي للأطفال بوضوح النص. إن التعديل الذي أجري مؤخرا بموجب قانون العقوبات المؤقت رقم 12/2010 على المادة 62 عقوبات جاء غامضاً مبهماً وزاد من الجدل العقيم حول كيفية التعامل مع الضرب التأديبي؛ فقد ورد بالنص الجديد من القانون "لا يعد الفعل الذي يجيزه القانون جريمة ويجيز القانون أنواع التأديب التي يوقعها الوالدان بأولادهما على نحو لا يسبب إيذاء أو ضرراً لهم ووفق ما يبيحه العرف العام". ويفهم منه ضمنيا السماح بالضرب التأديبي وبالتالي تقبله كثقافة سائدة في المجتمع، وكان من الأولوية بمكان إلغاء هذا النص كاملا كخطوة أولى تمهيدا لإيجاد نص جديد يجرّم العقاب الجسدي داخل الأسرة؛ حيث لا يتوقع من أي "قانون عقوبات" أن يرشد إلى وسائل تربية الأطفال لأن هدفه حماية الفرد والأسرة والمجتمع بالردع عن أفعال جرمية محددة وليس السماح بها. وبحسب آخر دراسات تابعة لدائرة الإحصاءات العامة، يتعرض الأطفال للعنف بشكل كبير في بيوتهم، 7 أطفال من بين كل 10 في الفئة العمرية ما بين 2 و14 سنة يتعرضون لأحد أنواع العقاب البدني في المنزل من والديهم أو أحد أفراد أسرتهم، كما يتعرض 9 من أصل 10 أطفال في الأردن للتوبيخ اللفظي في المنزل مثل الشتم والصراخ. ويذهب الاستشاري الأسري أحمد عبدالله، الى أن الضرب بكل أشكاله سواء على الوجه أو غير الوجه لا يردع الأطفال، بل بالعكس. ويأتي الضرب على الوجه ليعكس انتهاك كرامة الطفل، لأن الوجه هو مصدر الانفعالات وهو مكان استقبال وإرسال المشاعر. ويضيف عبدالله "أن ضرب هذا المكان هو بالحقيقة ضرب لكل معنى جميل في الحياة"، وليس مستغربا أبداً أن يكون المضروب على وجهه اليوم، هو شخص مكتئب غدا، أو ضحية للتحرش. ويعتبر عبدالله أن الأساليب التربوية تعلِّم الطفل كيف يتصرف بشكل جيد، والضرب لا يعلم الطفل بماذا أخطأ أو التصرف بشكل صحيح، لافتاً الى أن من يلجأ الى سلوك الضرب هو "مفلس تربويا". وفي ذلك، تذهب الاختصاصية النفسية سيلينا أبو الراغب، الى أن هنالك الكثير من الأساليب والحلول التي يمكن استخدامها في التربية بعيدا كل البعد عن الضرب، لافتة إلى أن الضرب على الوجه يترك آثارا نفسية تلازم الطفل طوال حياته ولا يمكنه نسيانها، ويتخزن كل شيء بذاكرة الصغار. وتضيف أبو الراغب "أن هذه الأساليب تولد لدى الطفل مشاعر الكره للأهل، ورفضا للمجتمع وللبيئة، وقد يصبح شخص أنطوائيا ومنعزلا اجتماعيا". وتؤكد أبو الراغب أهمية توعية الأهل وارشادهم نحو أساليب التربية الصحيحة، وعدم اللجوء أبدا إلى الضرب كوسيلة للتربية، لأن ذلك يزرع بنفوس الأطفال مشاعر سلبية تؤذيهم مستقبلا، وهو ما لا يدرك الآباء خطورته.اضافة اعلان