ضيوف الغد

ضرب قواعد الإعراب في النظام الدستوري الأردنيّ

الدكتور سيف زياد الجنيدي

نعيش اليوم في كنف حالةٍ واقعيّةٍ أدّت إلى مساسٍ بروح الدستور، وضربت قواعد الإعراب في النّظام الدستوريّ الأردنيّ. اشترك مجلس النّواب والحكومة معاً في خلق هذه الحالة الواقعيّة كلّ على طريقته تحت قاسمٍ مشتركٍ «اتفاقية الغاز».
شكّل تبنّي مجلس النّواب اقتراحاً بقانون لإلغاء اتفاقية الغاز خلطاً بين الأصول الدستوريّة للوظيفتين التشريعيّة والرّقابية لهذا المجلس، وذلك لسببين على الأقل؛ استناداً إلى القرارات التّفسيريّة الدستوريّة (القرار التفسيريّ رقم (2) لسنة 1955، والقرار التفسيريّ رقم (1) لسنة 1962، قرار المحكمة الدستوريّة التفسيريّ رقم (2) لسنة 2019)، لا يتمتّع مجلس النّواب بالصّلاحية الدستوريّة للمُصادقة على اتفاقية الغاز بموجب قانون خاص، وبالتّالي فلا يحقّ للمجلس تبنّي مبادرة تشريعيّة لإلغاء هذه الاتفاقية. وعليه، فيكون السّبيل الدستوريّ الوحيد أمام مجلس النّواب لمُطالبة الحكومة بالانسحاب من هذه الاتفاقية، هو اللجوء إلى الوسائل الدستوريّة الرقابيّة وصولاً إلى طرح الثّقة بالحكومة، وليس اللّجوء إلى وسيلة تشريعيّة لتحقيق هدف رقابيّ!
جاء الرّد الحكوميّ على المُخالفة النيابيّة بمخالفاتٍ دستوريّةٍ ضربت جذور مبادئ دستوريّة راسخة، وهو ما كشفت عنه صحيفة الغد بتاريخ 14 أيار الحالي تحت خبرٍ بعنوان :»الحكومة تُبلّغ النّواب بتعذّر وضع مُقترح قانون لإلغاءاتفاقية الغاز بصيغة مشروع قانون»، وعن التّفاصيل التّالية:»كشف المصدر أنّ الحكومة أرسلت كتاباً فور صدور قرار المحكمة إلى مجلس النّواب، يُفيد بأنّه يتعذّر وضع مقترح القانون بصيغة مشروع قانون نظراً لمُخالفته أحكام الدستور، مؤكّداً أنّ الحكومة أصبحت غير مُلزمة بالاستجابة لمقترح القانون». وأضافت الغد على لسان المصدر الحكوميّ «في ضوء صدور قرار المحكمة الدستوريّة، يغدو طلب مجلس النّواب مُخالفاً لأحكام الدستور وبغير محلّه، والحكومة أصبحت في حل من أمرها وغير ملزمة بالاستجابة للطلب».
على فرض ثبوت الإجراءات الحكوميّة، فتنطوي هذه الإجراءات على مخالفتين للمبادئ والمعايير الدستوريّة على الأقل: أولاً: مبدأ حرّية المُبادرة التشريعيّة النيابيّة المُستمد من مبدأ سيادة الأمّة عبر مخالفة المادة (95) من الدستور التي تُلزم الحكومة بوضع المُبادرة التشريعيّة النيابيّة بصيغة مشروع قانون وإحالته إلى المجلس التشريعيّ في الدّورة نفسها أو الدّورة التي تليها. ثانياً: توسيع نطاق ولاية المحكمة الدستوريّة عبر توظيف الإختصاص التفسيريّ للمحكمة لغايات فرض الرّقابة المُسبقة على دستوريّة الاقتراح النيابيّ بصورةٍ تُناهض منطوق المادة (59) من الدستور. حيث كان على الحكومة إعداد مشروع قانون بناءً على المقترح النيابيّ والسّير بالقنوات الدستوريّة لسنّه، ومن ثمّ ترك الأمر لتقدير جلالة الملك باعتباره رأس الدّولة، والضّامن لسمو الدستور، وعنصر التّوازن بين السّلطات الدستوريّة الثّلاث، والأمين على مستقبل الأمّة بمدلولاتها التاريخيّة المُؤسِسة للدّولة وغير المُقتصِرة على إرادة انتخابيّة مُتغيّرة ومُتقلّبة ورُبّما منقوصة التّمثيل في المجلس النيابيّ.
هذه الواقعة وما انطوت عليه من مساسٍ بجوهر المبادئ والمعايير الدستوريّة، ينطبق عليها قول أرسطو وهواجسه المُبكّرة (384-322 ق.م) «عندما يُستغنى عن بندٍ من الدستور يُصبح من السّهل قبول تغيير بندٍ آخر أكثر أهمية».

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock