ضريبة "الخطّ"..!

ليست ضريبة عن امتلاك "خط حافلة" أو "سرفيس" له قيمة ويُدرُّ دخلاً، وإنما عن مجرد خط اليد مكتوباً على ورقة.
راجعتُ ضريبة الدخل ذات مرة في الثمانينيات لإنجاز معاملة. وكنتُ في تلك الفترة بلا عمل، حرفياً، بعد فشل مشروع صغير كنتُ قد بدأته، وكنتُ أتلمس الطريق. سألني موظف الضريبة عن عملي، فقلت إنني لا أعمل في هذه الفترة. ولكن، صادف أنني حملتُ أوراقي في مغلف ورقي كنتُ قد تسليت فكتبتُ اسمي عليه بخط عريض جيد، من باب محبتي لكتابة الخط العربي.اضافة اعلان
سألني موظف الضريبة من خلف الحاجز وقد لاحظ المغلف: هذا خطُّك؟
قلتُ: "نعم"، باعتزاز، وتوقعتُ أن يمتدحني.
قال: "معقول أن يكون هذا خطُّك ولا ’تخطط آرمات‘ أو تكتبُ شيئاً لأحد هنا وهناك"؟
قلتُ إن الخط بالنسبة لي هواية، وأعرف كيف أكتبه على الورق فقط ولا أعرف صناعة "الآرمات". لكن الرجل هز رأسه بلا إعجاب، وقدّر ضريبة كبيرة –مهما كانت- لأنها فُرضت فعلياً على دخل يساوي صفراً.
ما أزال أتذكر تلك الحادثة كلما جاء حديث الضرائب –الذي لا يغيب في الحقيقة- مع ذهاب أوضاع الأردنيين إلى مزيد من الضيق. ولا يصعب العثور على العلاقة بين الضرائب والأزمات. فالضرائب مبالِغ تقتطَع من الدخل وتحتُّه بمختلف الطرق بحيث تصنع أزمة لصاحبه. وقد تصبح الضرائب هاجساً، وكائناً عدوانياً مُفترساً لا يشبع، والذي يدور ويتحايل بعناد لكي يهاجم دخل المرء من كل الجهات. وتصبح الضريبة مشكلة، عندما لا يتبقى لدى شريحة كبيرة من الناس من دخولهم الحقيقية ما يكفي لعيش حياة مريحة ومستقرة نوعاً ما، ويغطي حاجاتهم الأساسية. وتصبح سبباً للشعور بالغُبن عندما يشعر الفرد بأنّه يدفع منها أكثر بكثير من المقابل الذي يتلقاه من خدمات الدولة ، كَمّاً ونوعاً، أو عندما يركُد دخله بينما تحلّق أسعار كل شيء.
لا يقتصر الأمر لدينا على ضريبة الدخل المباشرة التي تطال شرائح جديدة من الدخول باطراد. فأي مواطن، حتى لو كان مُعدماً، يدفع 16 قرشاً عن كل دينار ينفقه كضريبة مبيعات. وهو يدفع الضرائب في شكل رسوم على كل معاملة حكومية، وعلى الصحة، والتعليم، والنقل، والاتصالات، والمركبات، والإنشاءات، والوقود، والكثير من الأشياء الأخرى. ويتحمل المستهلك الأخير، المواطن، أي ضرائب ورسوم تدفعها الشركات أو المستوردون أو المصنّعون. ولو ارتفع سعر الوقود، مثلاً، فإن المواطن سيدفع الزيادة في سعر علبة اللبن لأن الكلفة زادت على سيارة التوزيع التي تنقلها من المصنع إلى البقالة، وهكذا. وبذلك، لا توجد، ولم توجد، شريحة معفاة من الضرائب في أي وقت.
الناسُ في كل العالم يدفعون الضرائب التي تكون عالية في بعض الأحيان. لكنّ بالوسع بعد ذلك أن يوصف البلد المعني بأنه يتيح لمواطنيه بشكل عام مستوى جيداً من المعيشة. وعادة ما توفر تلك البلدان الوظائف المجزية والخدمات العامة الجيدة، وعلى رأسها التعليم والصحة والنقل. ويفترض أن يكون التعليم والصحة بالمجان كاستثمار طبيعي للدولة في سويّة مواطنيها، لكن بالإمكان الدفع لهما إذا كان ذلك لا يأكل معظم الدخل. أما غير ذلك، فيعني أن الدولة، المسؤولة الأخيرة عن إدارة الاقتصاد والاستثمارات، عاجزة عن الوفاء بحصتها من المسؤولية، لتكون النتيجة ارتفاع منسوب التعاسة والضغط على المواطنين وحشرهم في دائرة شرسة. وبدل أن يكون الحوار على طريقة: ادفع الضرائب حتى أعطيك حاجتك من الخدمات ومستوى جيداً من الحياة، فإنها تصبح: أدفع لأنني لا أستطيع أن أتدبر أموري وأمورك، وأريد أن تتفهمني لأنني لا أمتلك حيلة سوى الأخذ منك.
من السيئ بما يكفي سيادة انطباع بأن الأمور أفلتت بسبب عقود من ضعف التخطيط المؤسسي الابتكاري طويل الأمد، يستغل كل مصدر وإمكانية لتكوين اقتصاد معقول مستدام. ولم يعد الناس يتفاءلون بالوعود بالتحسن في غضون سنة أو سنتين، فقط لتُضاف على كواهلهم أعباء جديدة. وسوف يدفع ضيق الأحوال الناس إلى المطالبة بزيادة أجورهم وتحسين أحوالهم لتنشب الأزمات ويزداد التوتر. ولم يبقَ حقاً سوى أن يدفع الفرد ضريبة عن جمال خطّه، كما حدث، أو أي موهبة أو هواية على أساس أنها تنطوي على مجرد إمكانية لجلب دخل، بافتراض ما سيكون!