رأي في حياتنا

طلبة الحكمة لا العاطفة

أتراها تخلت عن حنانها أماً تحرص على فلذة كبدها، وهي تعاتب المعلمة، حد اللوم، لأنها لم تعاقب ابنتها الطالبة، حينما رفعت صوتها في وجه معلمتها، ولم تنفذ الواجب المدرسي الذي طلب منها؟ أم كانت تتخلى، في الواقع، عن عاطفة عمياء، خالية من أي عقل، حرصاً على مستقبل ابنتها التي تطمح لأن يكون الأفضل، فكان عتابها بذلك، أم لا مساومة على هكذا حنان، يؤتي ثماره مدى العمر، جيلاً بعد جيل؟
وفي قسوة هذه الأم على الخطأ، لا على ابنتها، يتجسد الإيمان بالدور التربوي والتعليمي للمعلم، والذي يجعل أول حقوقه وأبسطها نيل كل الاحترام والتقدير. لكن، بقي كثيرون بيننا من هكذا نموذج، يرون المعلم صاحب رسالة، يستحق كل التبجيل؟ أم باتت الأغلبية هي ممن يشجعون أبناءهم الطلبة على التطاول على معلميهم، هذا إن لم يشاركوهم جريمة الاعتداء؟!
يوما بعد يوم، نطالع الأخبار “المستفزة” التي تتحدث عن اعتداء طلبة وذويهم على المعلمين وإهانتهم، في تجسيد للحط من دور “المعلم” ورسالته العظيمة، ابتداء، وإهدار للمستقبل الذي يُفترض أن يبنيه هؤلاء الأبناء إن حسنت تربيتهم وتعليمهم، لكان بات هذا هو الشرط المفقود، بكامل تصميم، وإن بكامل لا وعي.
نعيش مرحلة خطرة، والخشية أن نعيش مستقبلاً مراحل أشد خطورة، بسبب التردي التربوي الذي ينتج طلبة “متطرفين”، لا يحملون قيم العرفان الشكر والتقدير لمدارسهم ولمدرسين يبذلون كل ما في وسعهم من أجل التعليم وتحصين الطلبة في المستقبل، حتى يكونوا قادرين على تحمل المسؤولية وتحقيق النجاح.
الأسرة تتحمل المسؤولية الكبرى، فدورها يكمن في ترسيخ قيم احترام المعلم لدى أبنائها، والحب لهذا الصرح التعليمي الكبير، وتهيئة الطالب وتوعيته بأسس التصرف التربوي الصحيح والإيجابي في المدرسة. وهو الرصيد الذي سينتقل تلقائيا للجامعة، وصولاً إلى جميع مناحي الحياة.
لكنْ ثمة أهال يفخرون بأبنائهم حينما يكونون أصحاب أصوات عالية في المدرسة، يأخذون ما يريدون، وإن علموا أنه ليس حقهم، بالقوة والتمرد والعصيان. لا بل ويشجعونهم على ذلك، نتيجة “وهم” أن ذلك يمنح الأبناء الشجاعة والشخصية القوية، وشتان بين هذا وبين النتيجة الحقيقة المؤكدة على امتداد أجيال، عاصرها هؤلاء الأهل أنفسهم.
وهكذا صار المعلم “يعد للعشرة” قبل لوم الطالب أو توبيخه أو معاقبته إذا أخطأ، ولو وفق المعايير التربوية، تحسبا من انتقام الطالب وعائلته غالباً، مع قلة التشريعات التي تحمي المعلم من التطاول عليه أو ضمان حقه وحفظ هيبته وكرامته.
حق الطالب أن ينال التعليم الجيد الذي ينمي قدراته ويوسع مدركاته وآفاقه. لكن هكذا حق لا ينهض به إلا معلم يستشعر احترامه وتقديره حامل رسالة المستقبل.
كونوا أقل عاطفة وأكثر حناناً، بأن تحرصوا على مستقبل أبنائكم، وبوابته الوحيدة الحرص على المعلم احتراماً وتقديراً.

[jetpack-related-posts][/jetpack-related-posts]
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock