طل الملوحي.. نداء من القلب إلى القيادة السورية

علاقتي بدمشق لا تختلف عن علاقتي بمعان بلد أجدادي. فيها ولدت جدتي لأمي، والإنسان مثل الشجرة تتفرع جذوره وتمتد، وكلها تمده بالحياة. وكلما زرت دمشق أتخيل الصدمة الحضارية لوالدي رحمه الله عندما وصلها من معان المدينة الصحراوية في العام 1960، وتشكلت شخصيته علما وفكرا وسياسة في جامعتها العريقة. سياسيا أرى أن المؤتمر السوري الأول الذي انتخب فيه ممثلون عن الأردن في عهد الملك فيصل يمثلني أكثر من أي مجلس نيابي. وقبل "باب الحارة" كنت قد جلت أزقتها وغوطتها في ذكريات الشيخ علي الطنطاوي، هذه دمشق الحديثة. أما الحضارية، فتلك حكاية تطول لأقدم مدينة في التاريخ، وعندما كنت في الأندلس تذكرت قول شوقي:

اضافة اعلان

لولا دمشق ما كانت طليطلة ولا زهت ببني العباس بغداد

كم جذرا يشدني إلى دمشق؟ لا شك أنها جذور تتفوق على ما يربطني بـ"بلد الأصل" الذي يبعد عن عمان أكثر منها. ولذا، عندما أكتب في الشأن السوري، وقبل الإيمان بالأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة، أكتب عن شأن شخصي حميمي، قبل أن أكتب عن موقف سياسي عام. مع ذلك فلا تردد في الوقوف في الخندق السوري في مواجهة العدوان الأميركي والصهيوني. وأعرف تماما أن دمشق ظلت الرئة التي تتنفس منها فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق.

لا ترى سورية بعين واحدة. وذلك لا يعني التغاضي عن الجرائم التي ارتكبت بحق المواطن السوري. ومن يحب الخير لسورية عليه أن لا يتردد في إخلاص النصيحة للقيادة السورية، ليس حرصا عليها بل حرصا على البلاد.

العبوة الناسفة التي يدخرها الصهاينة هي الطائفية. والنظرة الأمنية التقليدية ترى أن أي انفتاح سيفجر صاعقها. والصحيح أن ما ينزع الصاعق ويفككه هو الديمقراطية. وفي تاريخ سورية شواهد، ففرنسا أرادت أن تترك البلاد دولا طائفية علوية ودرزية ومسيحية وسنية، ولكن أبناء البلاد أصروا على الدولة العربية. وفي تلك الحقبة الزاهية كانت العروبة قبل المواطنة الشرط الشارط لدخول الحياة السياسية، خيارا لا اضطرارا.

كل ذلك مقدمة لنداء من القلب إلى القيادة السورية. فالمدونة طل الملوحي التي اعتقلت وعمرها 19 عاما هي أمل سورية الغد، وليست خطرا على سورية اليوم. ولا يجوز أن يترك المجال لهيلاري كلينتون للتدخل في سبيل الإفراج عنها. وليس المطلوب العفو عن المدونة، بل الاعتذار لها وتعويضها عما حصل معها.

قالت كلينتون: "لا معنى لرفع الرقابة عن مواقع الإنترنت ما دام التعبير عن الرأي يؤدي بصاحبه إلى السجن". وتطرّقت إلى التناقض في موقف الحكومة السورية، فـ"بعدما رفعت الحظر عن استخدام موقعَي فيسبوك ويوتيوب في الأسبوع الماضي، ها هي تحكم على طل الملوحي، المدوّنة في سن المراهقة، بالسجن خمس سنوات بعد إدانتها بالتجسس، بسبب شعر سياسي نشرته على مدوّنتها على الإنترنت". للأسف، فإنني أتفق مع وزيرة الخارجية الأميركية، ولا أدري إن كانت وزيرة الخارجية أطلت على مدونة طل لتكتشف أنها مزدانة بصور من تصنفهم الخارجية الأميركية بالإرهابيين، مثل الشهيد القسامي حسام ابن محمود الزهار، وتضامن مع فنزويلا وتركيا، والأهم صورة بوش بشارب هتلر!

أتمنى على أجهزة الأمن السورية و"القضاء" الذي ظلمها أن يجريا تحليل نص لمدونة طل الملوحي ليكتشفا فتاة تنزف عروبة. رجاء أوقفوا النزف، وأعطوها الفرصة "أريد أن أستلم السلطة ياسيدي ولو ليوم واحد من أجل أن أقيم "جمهورية الإحساس".

[email protected]