ظاهرة حرب المضاربات على حيتان وول ستريت

نبيل يوسف أبوعطا

نهاية الاسبوع الماضي ضجت أسواق المال العالمية بقصة شركة (GameStop) حيث استطاعت مجموعة من "الهواة" المتحمسين في عالم المضاربة بالاسهم اطاحة أصحاب صناديق التحوط (Hedge Funds) في وول ستريت ((Wall St. بالضربة القاضية مكبدينهم خسائر بمليارات الدولارات.اضافة اعلان
شركة (GameStop) هي سلسلة متاجر أميركية تبيع العاب الفيديو وتدير 5509 متاجر للبيع بالتجزئة في جميع أنحاء أميركا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا وأوروبا حيث تقايض ألعاب الفيديو القديمة التي تشتريها من المستخدم بأسعار زهيدة بأخرى جديدة ذات سعر مخفض.
الجائحة حدت من التسوق في المتاجر وزادت الطلب على العاب الفيديو عبر الإنترنت، لتراكم خسائر (GameStop) وتدهور سهم الشركة:GME
كما الحال دائما في وول ستريت، تتلقف صناديق التحوط فرصة المراهنة على سقوط الأسهم للشركات الخاسرة عبر ما يسمى بعقود خيارات الأسهم (options) التي تتيح للمستثمر شراء السهم بسعر يحدده هو بعد المراهنة على صعوده أو نزوله على ان ينفذ عقد البيع في يوم محدد مهما كان السعر. وبما ان هذه صناديق التحوط الغنية تتمتع بتسهيلات مالية هائلة من البنوك وشركات المضاربة فهي تقوم بالبيع على المكشوف أي انها تستدين لتقوم ببيع السهم بسعره الحالي بكميات كبيرة من أجل ان ينخفض سعره مما يؤثر على بقية المساهمين بدافع الفزع لبيع اسهمهم ليزداد انحدار سعر السهم وعندها تعود هذه الصناديق بشراء الأسهم بسعر زهيد محققة ربحا يعادل الفرق بين سعر الشراء الزهيد والسعر الأولي الذي قاموا بالبيع عليه من دون دفعه بل مجرد سداد ثمن السهم الجديد المنخفض.
بسبب وضع (GameStop) قام صندوق ميلفن كابيتال وآخرون بالمراهنة على سقوط سعر سهم الشركة بالمليارات تقريبا وهو أمر كان لا شك في حدوثه… وكان هذا الصندوق وغيره في طريقه لتحقيق أرباح خيالية من مجرد مشاهدة سعر الشركة يهوي! الاّ انه في هذه المرة كان الوضع مختلفا، حيث تدارك أحد المستثمرين الجدد على إحدى غرف منتدى (REDDIT) اسمها (WallStreetBets) في نية الصناديق الكبيرة واقترح على روّاد المنتدى من المضاربين الهواة ان يقوموا بموجة شراء لسهم الشركة لرفع السعر في مواجهة الصناديق الضخمة التي راهنت على سقوط السهم.
تجاوب عدد هائل من المستثمرين في المنتدى خصوصا مع تغريدة من (ايلون مسك) ليرتفع سهم الشركة بشكل صاروخي بحوالي 2500 % مما ادى بالصناديق الى الاستدانة بمئات الملايين والمراهنة مرة اخرى على ان صغار المستثمرين لن يصمدوا وسيبيعون الأسهم التي قاموا بشرائها فيهوي السهم مرة اخرى، الاّ انهم اخطأوا مجدداً حيث احتفظ المضاربون "الهواة" بمراكزهم في الجولة الثانية مما أدى بالصناديق ان تغوص أكثر في الدين حيث تفرض الشروط عليهم تنفيذ العقود في وقتها وبالسعر الجديد الذي ارتفع الى مستويات عالية بدلا من ان يهوي وبهذا انتصر المضاربون الهواة على صناديق التحوط في أول معركة تشبه الانقلاب على وول ستريت التقليدية باستعمال تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وجرأة الشباب والحركة الثورية ضد صناديق الاثرياء والمستثمرين المستأثرين بالتسهيلات المالية الكبيرة.
كالعادة تتحرك البورصة حسب القواعد المفروضة تقليديا فمنعت التداول قبل ان تجيزه مرّات عديدة بسبب التقلب العالي للسعر.
الأمر لم ينته هناك فحسب بل بدأت حركة مشابهة نحو اسهم مثل ( AMC وNokia) والتي تراهن الصناديق الكبيرة ضدّ أسعار اسهمها ومن ثم تبعتها ايضاً تحركات مشابهة في استراليا وأوروبا.
ردود أفعال متباينة تبعت هذه الأحداث فهناك من فسرها على انها ثورة جيل جديد من المضاربين يرغبون بكسر نفوذ الحيتان في وول ستريت وهناك من نعتها بالمراهنات الرعناء والتلاعب بالأسواق داعيا لتشريعات تمنع حدوثها وذلك لافتقارها لاساسيات السوق فما الهدف ان تنقذ جيوش المضاربين سهم شركة خاسرة وترفعه الى أكثر من 2500 % من دون أمل بأرباح تشغيلية؟
الاّ أن هناك من المتحمسين للتغيير من محللي الأسواق استغرب السعي لتجريم مراهنات المضاربين الهواة؟ متسائلين عن عمل مليارديرات صناديق التحوط، أو ليست هي الاخرى تندرج ايضاً تحت بند المضاربات وتوجيه الأسواق للتلاعب بقيم الاسهم؟ مستذكرين ان سقوط الأسواق قبل عقد من الزمن لم يؤد بأي من مقامري هذه الصناديق الكبيرة المليارديرات إلى السجن فلماذا يسعى المتنفذون في وول ستريت اليوم الى سن تعليمات تحرّم هذه الظاهرة والتي قد تكون شرارة ثورة هذا القرن بين الـ 1 % بالمائة الذين يتحكمون بأسواق المال والطبقة المتوسطة الحالمة! سيكون هذا الأسبوع مسرحا لحوادث سيتابعها العالم عن كثب وعلى رأسهم البيت الأبيض وستحفر في الذاكرة -ان لم تحقق تغييراً فعلياً على السيادة والسيطرة في أسواق المال عالمياً.