ظواهر اجتماعية تحتاج إلى دراسة

د. هيثم أبوكركي*

تميز العصر الحالي بتطور وسائل التواصل والاتصال بشك قلص فوارق الزمان والمكان بشكل ملحوظ ملموس، فأصبح الآن بالإمكان لأي شخص القيام ببث مباشر من الهاتف النقال لينقل للعالم كله ما يريد أن ينقله، في حين كانت خاصية البث المباشر حتى سنوات قليلة مضت محصورة بأجهزة الاعلام المرئية وكوادرها وتتطلب امكانات فنية ومادية كبيرة.
كما أن انتشار مواقع التواصل مكن الاشخاص من مخاطبة جماهير عريضة وعلى نطاق واسع ولا غرابة أن تكون شركات مواقع التواصل الاجتماعي ضمن قائمة الشركات الاعلى ايرادات وأن تكون قيمة أسهمها الاجمالية تقدر بمليارات الدولارات نظرا للإقبال الشديد على استخدام هذه المواقع.
إن استخدامنا لتكنولوجيا الاتصال الحديثة وطبيعة هذا الاستخدام يشكل ظاهرة تستحق من المختصين من باحثين وأكاديميين ومسؤولين في مختلف الاجهزة دراستها باستفاضة وإمعان فقد استخدمت هذه التكنولوجيا استخدامات سلبية كثيرة ، كان منها نشر خطاب الكراهية والعنف في احيان كثيرة والترويج لأفكار قد تخرج عن قيم المجتمعات وتقاليدها وساهمت في انتشار العديد من الظواهر التي يغص بها الفضاء الالكتروني.
ومن جهة اخرى فلا يمكن انكار الجوانب الايجابية لتكنولوجيا الاتصالات فقد قربت المسافات وقلصت بعد الشقة بين البلاد وساهمت في تغطية ما يدور في العالم من أحداث ولا يمكننا بحال من الاحوال انتقاد التطور التكنولوجي كتطور علمي وتقني، فالتطور محمود وله جوانبه الايجابية من النواحي الفنية والتقنية والاقتصادية، وانما يطال الانتقاد الطريقة التي يتم فيها استخدام هذا التطور والغايات التي يسخر لخدمتها.
لقد لفت انتباهي تعلق الاطفال واليافعين وشغفهم بالاجهزة الذكية وهو شغف حذرت منه دراسات بينت العديد من الآثار السلبية على صحة الاطفال العقلية والنفسية نتيجة الولع الشديد بالأجهزة الذكية، ولا يقل شغف البالغين بالأجهزة الذكية عن ذلك ايضا وهو ما جعل هذه الاجهزة تتحول الى مصدر المعلومة الاول.
ونظرا لسهولة استخدامها وسهولة نقل المعلومات من خلالها أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مسرحا لنقل الانباء ووسيلة لترويج الاخبار وتناقلها دون ان نكلف انفسنا عناء التثبت او التتبع مما ينشر وقد قمت بمحاولة تتبع بعض المعلومات التي نشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي فلم اجد لها مصدرا سوى خيال من كتبها وقد تضمنت في بعض الاحيان نصوصا يتداولها الناس على انها أحاديث نبوية او مأثورات وهي ابعد ما يكون عن هذا أو ذاك.
إن طبيعة الانسان الاجتماعية وفطرته التي فطره الله تعالى علية تدفعه الى محاولة معرفة ما يدور حوله من احداث وقد جاءت مواقع التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الاتصالات لتقدم وسيلة لم تكن متاحة قبل سنوات قليلة خلت، ومن هنا ولخطورة ما يمكن ان تحدثه هذه التكنولوجيا من تأثيرات جاءت القوانين والتشريعات لتنظم استخدام تكنولوجيا الاتصالات فمن قانون الاتصالات الى قانون الجرائم الالكترونية وغيرها جاءت هذه التشريعات بهدف الحفاظ عى بيئة صحية من ناحية اجتماعية يمكن ان نأمن فيها على انفسنا وأسرنا وأطفالنا من سوء استخدامها.
يجب أن يكون الوازع الاخلاقي العامل الاول عند استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فالعبرة تظل دوما بالكيفية التي يتم فيها استخدام هذه التكنولوجيا وطريقة هذا الاستخدام وإنني ادعو الباحثين والدارسين، والجهات الرسمية والأمنية،الى إجراء دراسة شمولية منهجية تشمل عدة جوانب ،أمنية واجتماعية وتربوية لتقييم تأثير هذه التكنولوجيا على الرأي العام والجوانب التربوية والاخلاقية ومدى مساهمتها في نشر الاخبار وكيف يمكن استخدامها بشكل يعزز النقاط الايجابية ويتفادى النقاط السلبية وما أكثرها.

اضافة اعلان

*باحث زائر بجامعة وسترن اونتاريو- كندا