عبدالرحمن.. الخير ما يزال فينا!

لم يكن حلم عائلة الطفل عبدالرحمن في هذه الحياة سوى تأمين ثمن الحليب الخاص بابنهم بسبب معاناته من مرض "التقزم والقصور الحيوي للأعضاء". من رحم المعاناة والمتاعب وقلة الحيلة وصعوبة الحال، كان الهم الأكبر هو تأمين ما يحتاجه طفلهم لكي يظل على قيد الحياة، ويمنحهم ما يمكن أن يتمسكوا بالحياة لأجله. عبد الرحمن في التاسعة من العمر، بيد أن وزنه الفعلي هو 12 كيلوغراما، فهو يعاني من خلل وظيفي يظهر واضحا على معالم جسده الغض، وخلل بوظائف حيوية أخرى جعله غير قادر على النمو الطبيعي، ولا حتى التفوه بأي كلمة. لجأ والداه إلى "الغد" بعدما أغلقت كل الأبواب، ليستنجدا بأهالي الخير، ويشرحا عن الوضع الخاص بابنهما. تتملكهما حرقة كبيرة، وهما يختبران في كل يوم الحالة الصحية السيئة لصغير يحتاج لرعاية من نوع آخر وأغذية خاصة به تساعده على الاستمرار في الحياة، بعدما فعلا كل ما باستطاعتهما فعله، حتى أنهما باعا كل ما يتوفر في منزلها؛ فراش البيت والتدفئة والثلاجة، وغيرها من الأساسيات لتوفير ثمن الحليب الخاص بحالته، وها هم يعانون من برد الشتاء وقسوة الحاجة والجوع! تحت عنوان "التقزم والفقر يحوّلان الطفل عبدالرحمن إلى خيال إنسان"، كتبت الزميلة تغريد السعايدة عن حالة الطفل والأوضاع الصعبة التي تعانيها أسرته في سبيل تأمين أقل متطلبات الحياة. ذلك النداء الموجع، أيقظ حس الخير في قلوب أشخاص لم يتوانوا عن تقديم المساعدة لمن يحتاجها، وإن كان ذلك على حساب قوتهم اليومي، ودفع ما يتواجد في جيوبهم وإن كان قليلا. سيدة جاءت إلى مبنى "الغد" حاملة معها عددا من عبوات الحليب الخاص، بعد أن قرأت قصة الطفل؛ لم يكن يهمها أن يعرفها أحد. كانت تشعر بالخجل بأن هذا كل ما باستطاعتها تقديمه في الوقت الحالي لأنها تمر بظروف صعبة! الحزن كان واضحا على ملامحها وهي تفكر بهذه العائلة والأوضاع الصعبة التي تعانيها، متعهدة أن تشتري للصغير الحليب الخاص به كلما توفر لديها بعض المال، وأن تحاول إيصاله له في محافظة جرش. لم تكن تلك السيدة الوحيدة التي حركتها إنسانيتها، فأشخاص عديدون جاؤوا إلى الصحيفة للتبرع ولو بالمال القليل الذي يتوفر لديهم ولا يملكون غيره، وشراء مستلزمات أساسية لعائلة الطفل، تعينهم ولو لبعض الوقت من برد الشتاء وقسوته. اللافت بهؤلاء الأشخاص تقديمهم الكثير من الأعذار بأنهم لا يملكون سوى ما استطاعوا تقديمه، وأنهم في حال تمكنوا من جمع المال سيساعدون الطفل عبدالرحمن بحسب قدرتهم. هذا التفكير بالآخرين وحب العطاء والإحساس الغامر، ترفع له القبعات. عبد الرحمن وجد من يشعر بوجعه، وبحاجته الحقيقية للحياة التي يراها من عينيه وتمتمات لسانه العاجز عن التعبير، والبكاء الموجع الذي يتعب قلوب كل من يراه. لكنه وجد أناسا ما تزال الإنسانية تتسيد الحياة لديهم، وهم على استعداد للاقتطاع من قوت يومهم في سبيل مسح دمعة عن وجه محتاج. ذلك الطفل هو واحد من حالات إنسانية مثقلة بالتعب والحزن والبؤس؛ بيوتهم تآكلت مع الزمن، حتى رغيف الخبز أصبح صعب المنال، لذلك تصر صحيفة "الغد" على تسليط الضوء عليها عبر صفحاتها بشكلٍ ثابت ومستمر، لتفتح تلك القصص الموجعة الباب على "محتاجين" يعيشون بيننا. هؤلاء يفتقدون الملاذ الآمن ولا يملكون أبسط مستلزمات العيش الكريم، وبحاجة لمن يشعر معهم، وينظر إليهم بعين الرأفة والرحمة والإنسانية. الخير ما يزال فينا.. لكن فئة كبيرة تملك الكثير، قادرة على العطاء والمساعدة، وبكثرة، ونحن ندعوها إلى ألا تتخلى عن واجبها تجاه الآخرين.اضافة اعلان