على غير عادته؛ النهار يأتي مطواعا، يهيئه لتفاصيل لذيذة، ويأخذ بيده نحو مساء ملوّن.
اللحظة تمسك بيد اللحظة، وتتثنى في شوارع “اللويبدة” العابقة برائحة الياسمين.
ابتسامتها كانت كافية لتعرف أنني اخترق حاجز الصمت بطائرة لم توجد بعد.
“الرابطة” ساكنة بلا مريدين، بعد أن تركها الجميع في موسم هجرة نحو الغرب، والسيارة لا تشكو من شيء، سوى ريح خفيفة، وبعض الذين يسوقون أرجلهم باتجاه المسجد.
سيكونان؛ هي وهو معا بعد قليل… عالم واحد مفتوح على البوح.
سيحدثها طويلا عن ليال كثيرة مرّت من دون أن يلقاها. سوف يطلب منها أن تترك “الحرد” و”الدلال”، وأن تكفّ عن جميع الاختبارات التي تدخله فيها واحدا تلو الآخر.
سوف يسألها وهو ينظر في عينيها مباشرة: ألم تعلمي بعد أنني أحبك أكثر من أي شيء.. وأكثر من أي أحد آخر في هذا العالم؟!
لا بدّ ستصدقه حينها.. ستقرأ ذلك في عينيه، وعندها فقط ستتلمس ما فيهما من أشياء كثيرة تخصها وحدها.
منذ يومين حضّر نفسه للعتاب الذي سيلقيه في حضنها. سيقول إنه سئم من أن يظل راكضا خلفها في شوارع عمان، يرتب للقاءاتٍ تأتي مصادفات مقصودة عن سابق تصميم وترصد.
سيحدثها عن الأرق الذي حلّ ضيفا على فراشه، و”الفاليوم” الذي لم يعد يجدي، والأحلام التي أصبحت كوابيس منمقة الإخراج.
سيحدثها عن الهزائم الكبيرة.. والهزائم الصغيرة التي يأتي بها الشعور بالفقد والوحدة.
لا بأس أن يسألها مرة أخرى: ألا تحبينني؟
ستعترف بلا شك.. سوف ترمي نفسها في حضنه.. ربما سوف تبكي قليلا، ولا يعلم في هذه الحالة هل سيكون بكاء حقيقيا، أم أن الوضع سيفرض مشهدا مماثلا ليزيد من واقعية الحالة جميعها.
ولكن بلا شكّ ستبكي.. سوف تكون هناك دموع حقيقية، ومن دون شكّ سيكون هو من يجففها، ففي وضع كهذا لا بدّ أن تكون هذه الدموع واحدة من مهماته الكثيرة خلال لقاء تصالحي.. تاريخي.
يذكر أن أمرا كهذا حدث قبل أشهر قليلة، وفي المكان نفسه، عندما انفجرت بالبكاء من دون سابق إنذار.. يذكرها الآن تماما: كيف أن الدموع كانت تغطي خديها، وتنحدر بتسارع عجيب.
أعاد الحسبة من جديد، متهيئا لكل الاحتمالات التي قد تأتي بها الشوارع غير المزدحمة، وجعل ينتظر.
مرت الدقائق بطيئة وثقيلة، وفات وقت الموعد.. وتعدته الدقائق بسرعة لتصبح ساعات.
أشعل المحرك بلا رغبة منه، وهو يسائل نفسه: ترى هل أخبرتها أن تأتي إلى موعدي؟!
هل حقاً
نص جميل اخي موفق..
هل حقااخبرتها..
تحية
"عالم واحد مفتوح على البوح" ..!
اعتدنا دائما وفي كل الحالات أن لا تأتي بنت السطان .. حينه فقط تصبح عملية الانتظار من أصعب الاعمال ومن اشقها على الاطلاق ، وترفض تمام فكرة ان تمكث دقائق اضافية فارغةوانت تنتظر.. تشعر بأن الدقائق تقرع زجاج الجمجمة باستفزاز وأنّ دبيب الوقت ووقعه يزداد إلحاحا مؤلما على رقعة بدنك المتوتر كي تغادر.. وتسمع بإصغاء الى دقات قلبك التي تحولت الى طبول افريقية تتعالى مع استهلاك مفرط للشهيق والزفير.. تطرد كل تلك الاشياء التي تعتريك ثم تلقي باللائمة على نفسك وتقول بدهشة مصطنعة: هل أخبرتها أن تأتي إلى موعدي ..؟ وتكتشف إنك لم تخبرها مطلقاً.. وتكتشف أيضا وهذا الأهم انك بدأت تكذب ..!؟