عربيات: علاقتنا بالنظام مبدئية.. وخالفنا إخوان سورية باحتجاجهم المسلح

محمد خير الروشدة

عمان – إلى زاوية حرجة يأخذنا رئيس مجلس النواب الأسبق الدكتور عبد اللطيف عربيات في حلقة اليوم، ويكشف عربيات عن تقييم مختلف للإخوان المسلمين في الأردن، عن إخوانهم السوريين على خلفية الأحداث التي دارت في سورية في العام 1979 وتسببت بأحداث حماة الشهيرة.
ويؤكد القيادي الإسلامي البارز في صفوف الحركة الإسلامية عربيات أن إخوان الأردن لم يقروا لإخوانهم السوريين حربهم على نظام الأسد، وأن تقييم الحركة الإسلامية في الأردن كان مخالفا لتوجهات الإخوان السوريين.
ويشدد عربيات في زاوية "سياسي يتذكر" مع "الغد" على أن النظام العراقي السابق هو من قدّم الدعم للإخوان السوريين، وذلك بسبب الخلاف بين حزبي البعث؛ السوري والعراقي، موضحا أن إخوان سورية دخلوا عبر الحدود العراقية السورية، وتلقوا التدريب والسلاح داخل أراض عراقية.
ويكشف عربيات أن إخوان الأردن كان تقييمهم بأن الموقف العسكري لإخوان سورية بأنه "خاطئ" وأن تحركهم ضد نظامهم، بالتعاون مع النظام العراقي السابق، حيث تلقوا السلاح وبعثوا كتائب، قاد إلى أحداث حماة، والنتيجة المأساوية التي وقعت.
ويؤكد عربيات "الحقيقة المثبتة أن إخوان الأردن ليسوا على علم في كل تلك المخططات، ولا يمكن لنا أن نقرها"، مضيفا "ما علمناه لاحقا أن فصيلا من الإخوان السوريين هو الذي قاد تلك العملية، فدخل سورية، ووقعت المأساة".
كما يروي عربيات عن محطات له في طهران بعدما زارها وكان له محطات من الحوارات الساخنة مع مرجعيات دينية إيرانية، ويكشف عن تفاصيل تلك الحوارات.

اضافة اعلان

*في السياق الزمني الذي نتدرج فيه، ثمة أزمة نشبت بين اللاجئين إلى الأردن من إخوان سورية. وهنا نود السؤال عن الأزمة بين إخوان سورية والنظام السوري، وعلاقتكم بها، أو دعنا نقول مدى تجاوبكم معها. وهل كان لكم دور في أي من الأحداث تلك؟
- بداية عليك أن تفرق بين طبيعة النظام الأردني وطبيعة النظام السوري، لتصل إلى الفرق بين أزمة إخوان سورية، وموقفنا نحن منها أو علاقتنا بها.
فالنظام الأردني دائما يحمل صفتين متلازمتين؛ صفة الاستقرار وصفة الاستمرارية، فهو النظام الأكثر استقرارا في المنطقة، أما الاستمرارية فأقصد بها استمرارية التشريع فيه، فلم ينقطع هذا النظام عن استمرارية التشريع منذ المجالس الاستشارية بين أعوام 1921-1929، ثم من الأعوام 1929-1946 كانت مجالس نيابية، وإلى يومنا هذا يستمر عمل المجالس التشريعية، التي نظمت نمط الحياة في الأردن وطبيعة التعاون بين الأفراد والمؤسسات.
ولا عجب أن يكون الأردن ملاذا للفارين من أنظمتهم، فقبل إخوان سورية، استقبل الأردن بعض إخوان مصر الذين فروا من نظام عبد الناصر.

*فهل هو لقاء مصالح بينكم وبين النظام الأردني؟
- ليست مصالح؛ هو موقف مبدئي، فالعلاقة بين الملك حسين وعبدالناصر كانت علاقة متذبذبة، لكن الأساس كان هو الموقف الشعبي الداعم للنظام هنا، نتيجة تلك الخلافات بين الناصريين وبين الإخوان في مصر.
وكان موقف إخوان الأردن، ضد الناصريين. لذلك في العام 1957 كان عبدالناصر يريد أن يطيح بالنظام الأردني، فكان موقف الاسلاميين هنا ضد هذا التوجه، وكان لنا دور في حماية الجبهة الداخلية، والحوادث مشهودة، والمواقف ما تزال علنية، في حوادث الزرقاء، وحوادث عمان، والحكومة العسكرية.
كل هذا أبطل مفعول المؤامرات على الأردن، نتيجة وجود قوى شعبية تدعم النظام ضد الاتجاه الآخر، وتلك نقطة جوهرية، فلما جاء اخوان مصر واخوان سورية، حتى عندما ضيقوا على إخوان العراق في فترة من الفترات، صارت الأردن رئة للاخوان في المنطقة، وقيل ذلك علنا. فكان أي مطارد من نظامه يلجأ للأردن.
بالنسبة للإخوان المسلمين في سورية، فهم جاؤوا إلينا وعاشوا معنا، ونشأت صلات نسب وقرابة بيننا. ولما دخلوا إلى البلاد دخلوها كلاجئين.
الجميع يعرف، بالطبع، الأحداث التي جرت في سورية العام 1979، وأحداث الكلية العسكرية في حلب، والصدام الذي قتل فيه الشيخ مروان حديد أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين في دمشق. كما قتل عدد من رفاقه.
وإذا تحرك إخوان سورية ضد نظامهم الذي أخرجهم من بلادهم، فلم يكن ذلك بالاتفاق معنا، ولما فتحت العراق معسكرات تدريب لهم وشجعتهم ضد نظام الأسد لم نكن بصورتها، ولم نعلم عنها، ولم نتدخل في كل ذلك، وهذا موقف أنا مطلع عليه.
وحتى ما تم تقديمه من قبل نظام صدام حسين للإخوان السوريين، كان مرتبطا بالخلاف بين حزبي البعث؛ السوري والعراقي، وهؤلاء دخلوا عن طريق الحدود العراقية السورية، وليس من حدودنا، وهذا أمر محسوم لا نقاش فيه.
بعض الاخوان السوريين اتفقوا مع النظام العراقي ضد سورية، وبعثوا كتائب، وبتقييمنا فقد كان الموقف العسكري خاطئا، وهو ما قاد إلى أحداث حماة، للأسف الشديد، لتكون النتيجة مأساوية.
الحقيقة المثبتة أن إخوان الأردن ليسوا على علم في كل تلك المخططات، ولا يمكن لنا أن نقرها، وما علمناه لاحقا أن فصيلا من الإخوان السوريين هو الذي قاد تلك العملية، فدخل سورية، ووقعت المأساة، وهي المأساة التي ما تزال آثارها حاضرة حتى يومنا هذا.
وأيضا، الثابت أن إخوان سورية لم يكونوا في تلك الأحداث فئة واحدة، بل كانوا فئات.
* لكن، لولا ثبات تورط إخوان سورية الموجودين في الأردن لما تم إبعادهم في العام 1979؟
-هذا أمر له ارتباط بالضغوط السورية، والنظام السوري هو من اتهم إخوان الاردن بالتآمر، واتهم الأردن أنه على علم بتحركات الإاخوان السوريين في العراق.
حافظ الأسد عاتب الراحل الملك الحسين على لقائه مع القيادي الاسلامي السوري سعيد حوا، وبالتالي حاول الأردن سد باب الشبهة وأبعد اخوان سورية. الملك الحسين تحدث إلى بعض إخوان سورية قائلا لهم بأنكم لاجئون وعليكم الالتزام بأدبيات اللجوء وعدم التدخل السياسي في دول الجوار. بعدها، ذهب بعضهم إلى العراق، وبعضهم إلى دول خليجية أخرى.
* لكن قرار إبعاد إخوان سورية من الأردن كان بعد ثبات صحة معلومات السوريين عن تدبيرهم لمخططات في الأردن ضد نظام الأسد؟
- هذا الكلام يحتاج إلى دليل، وما أعرفه أن إبعادهم جاء بضغط من السوريين نتيجة التقارب بين الملك الحسين والأسد في وقتها، ورغبة الملك الحسين في تبريد الجبهة السورية. لقد عايشت الحدث، وأقولها اليوم بلا تردد، إن إخوان سورية لم يكونوا فئة واحدة بل فئات، وهو ما تسبب بالمشكلة تلك، والذين لم يلتزموا بموقف الأردن ذهبوا إلى العراق، ومن هناك نفذوا ما كانوا يخططون له.
وفي وقتها، أعلنا موقفنا بكل وضوح، بأننا ضد القوات التي دخلت سورية من العراق وأرادت العمل العسكري.
وللعلم فإخوان الأردن يرفضون رفضا باتا هذا الأسلوب لناحيتين؛ أولا لأنه عمل عسكري فاشل ولا قيمة له، ثانيا أن تقدير الموقف لإخوان سورية من ذلك العمل لم يأخذ بالحسبان العواقب الاجتماعية له.
*ما دمنا نتحدث بإطار معايشتك لظروف سياسية، نود أن نسأل عن زياراتك لطهران خلال عملك في وزارة التربية والتعليم، وحتى خلال رئاستك لمجلس النواب الأردني، حيث كان لك مواقف هناك كنت قد تطرقت لها في أحاديث سابقة؟
- لقد زرت طهران فعلا في عهد الشاه، وكانت أول زيارة لي لإيران، وكانت خلال العام 1976 على رأس وفد تربوي. وفي ذلك الزمن كانت تعاني إيران ما تعانيه من أبسط الأمور، فحتى ازدحامات السير كانت قضية معقدة لديهم قبل الثورة. كما لمست في الزيارة الأولى حجم الاستياء من الأوضاع الاقتصادية والسياسية، ودرجة الرعب عند بحث أي موضوع سياسي.
كما زرتها بعد الثورة، ففي شهر تموز من العام (1979) شكل وفد إسلامي لزيارة إيران لتقديم التهنئة بالثورة الإسلامية، وكان الوفد برئاسة وزير الأوقاف الأردني المرحوم كامل الشريف وعضوية الصادق المهدي من السودان، وأحد إخواننا من المغرب واثنين من الأردن كنت أحدهما.
أخذ رئيس الوفد هدية للإمام الخميني وهي عبارة عن مجسم لقبة الصخرة، وكان أول وزير خارجية لإيران الإسلامية هو الدكتور إبراهيم يزدي وهو طبيب أعرفه جيداً حيث التقيناه في أميركا أثناء الدراسة، وكنت أحضر وإياه مؤتمرات اتحاد الطلاب المسلمين في الولايات المتحدة.
ولما وصلنا طهران الساعة الثامنة صباحاً وجدنا الدكتور يزدي وزير الخارجية في استقبالنا في المطار، وبعد أن وصلنا إلى الفندق طلب إلينا أن نكون جاهزين عند الساعة العاشرة صباحاً للتحرك إلى (قُم) لمقابلة الإمام الخميني.
وفعلا اصطحبنا الدكتور يزدي بنفسه في طيارة هليوكبتر عسكرية، وصلنا قم ودخلنا على بيت الخميني مباشرة وكان ذلك مفاجئاً لنا جميعاً أن تتم الزيارة بهذه السرعة وبهذه الطريقة الاستثنائية.
جلسنا في غرفة عادية على الأرض ووجدت مكاناً خالياً في الغرفة عليه بطانية قديمة موضوعة على الموكيت الذي نالت منه الشمس، فجلست على طرف البطانية، فناداني الدكتور يزدي وأشار إلي أن أجلس بجانبه وليس على هذه البطانية وسألته عن السبب فقال هذا مكان الإمام الخميني.
دخل الخميني وسلم على الجميع وجلس ورحب بالضيوف وشكر على الهدية، وقال: نحن في هذه الأيام نعيش الإسلام بكل معانيه وهذه أيام الإسلام التي يلتقي فيها الجميع. وتحدث عن الثورة والمخاطر التي تحيط بها وشكا من سطوة الأميركان على المنطقة العربية.
بعدها انتقلنا من عنده لزيارة أحد الآيات الكبرى في قم ولكنه أقرب إلى الخط الصفوي، حيث وجدنا السجاد الفاخر وأثر النعمة في كل شيء وهو يختلف تماماً عما وجدناه عند الخميني ولغة الخطاب والأفكار المتبادلة تختلف عن الزيارة الأولى.
*ما المقصود بالفرق بين الزيارتين، ولماذا هذا الفرق الكبير بين تواضع الأول وثراء الآخر، هل وصلتكم إجابات مقنعة عن أهداف الثورة الإيرانية؟
- في الإجابة على سؤالك فبعد أن انتهت زياراتنا إلى قم، قمنا وفي اليوم التالي بزيارة مركز الحزب الجمهوري وكان رئيسه الدكتور آية الله بهشيت وهو رجل عامل يتقن عدة لغات، ويتحدث العربية بشكل رائع، وكان يساعده آية الله خامنئي، مرشد الثورة الآن، تحدث المرحوم كامل الشريف والصادق المهدي وكل منهما يسأل الكثير عن أهداف الثورة والشيعة والسنة وغيرها، فأجابهما آية الله بهشتي جواب العالم الواضح المقنع، الذي لم يترك لأحد بعدها من سؤال أو استفسار.
وفي اليوم التالي طلب مني المرحوم كامل الشريف أن أرتب مع الدكتور إبراهيم يزدي وزير الخارجية أن نلتقيه في الوزارة، فذهبنا سوية إلى مكتبه ودار نقاش، تحدث فيه الأستاذ كامل ووجه عدة أسئلة عن الشيعة وعلاقتهم في السنة، فقال له  يزدي أحب أن أوضح لك الأمر وببساطة أريد أن أسأل الأخ عبداللطيف
الذي كنت أنا وإياه في أميركا: هل سبق لي أن سألتك أو أنت سألتني هل أنت شيعي أو سني؟! نحن مسلمون وكفى، ولكن أريد أن أجمل كل ذلك بما يلي: إذا كنتم سنة محمدية ونحن شيعة اثني عشرية جعفرية فنحن شيء واحد لا فرق بيننا، وأما إذا كنتم أنتم سنة أموية ونحن شيعة صفوية فلا لقاء بيننا، ولذلك هذا جوهر الموضوع وانتهى الحديث عن هذا الموضوع بهذه الكلمات الواضحة المحددة والمفيدة.
والتقينا في صلاة الجمعة في طهران بالقيادات الإيرانية واستمعنا إلى خطبة الجمعة التي ألقاها أحد علماء الشيعة الواعين، إذ سمعته يتحدث عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وقال نحن في ثورة للإسلام ومن أجل المسلمين جميعاً وهذه أيام الإسلام وانتصاراته.
كان ذلك مطمئناً للجميع، خصوصا بعد أن وجدنا أن الثورة تحتفل بذكرى استشهاد الشهيد حسن البنا وسموا أحد شوارع طهران باسم الشهيد سيد قطب، ويذكرون سيد قطب كأحد علمائهم ومفكريهم.
كما أن الثورة الإيرانية الإسلامية تعتبر الثورة الفلسطينية قدوة لها في كثير من الوجوه الجهادية، وقدسية الحركة ومنطلقاتها، ولكن هذا الأمر لم يستمر طويلاً بعد انتصار الثورة الإيرانية اكتشف الإيرانيون أن أفراد منظمة التحرير الفلسطينية وقادتها لا يلتزمون بالإسلام لا فكراً ولا سلوكاً، حيث شكا لنا الإيرانيون أن سلوك أفراد المنظمة الذين استلموا السفارة الإسرائيلية في طهران غير إسلامي، فهم لا يصلون نهائياً، وقد أعلمونا ذلك وهم مستاؤون.
لقد سلمت الثورة الإيرانية مفاتيح السفارة الإسرائيلية إلى منظمة التحرير بما فيها من ملفات وأسرار، وسألت الأخ هاني الحسن أول سفير للمنظمة في طهران: ماذا وجدتم في السفارة الإسرائيلية، وهل فتحتم الصناديق المغلقة فيها، فقال: أهم ما وجدناه هو أسرار السلاح في العالم، كذلك أسرار ومعلومات عن النشاط الماسوني في العالم. فسألته: من الذي تصرف بهذه الأسرار؟.
ولم يكن هناك جواب واضح بهذا الشأن، فمزحت معه وقلت: مشايخ إيران لا يعرفون كيفية فتح الخزائن المذكورة، فمن فتحها لكم؟ وذهبت مزحة بدون جواب.
* بعد أكثر من 10 سنوات عدت وزرت طهران، لكن بموقع سياسي كرئيس مجلس نواب وليس من موقعك المهني كقيادي في وزارة التربية والتعليم، هل اختلف الخطاب الإيراني، أو هل تبدلت أهداف ثورتهم؟
-نعم كانت الزيارة الثانية في العام 1991، حيث اصطحبت وفداً نيابيا من النواب والأعيان، لحضور المؤتمر الإسلامي العالمي والنيابي لنصرة القدس، وقد حضر ذلك المؤتمر قادة ونواب وأعيان من العالم الإسلامي كله، وقد شارك الاتحاد البرلماني العربي في هذا المؤتمر، وقررنا أن يكون أيضاً لقاءات للاتحاد البرلماني العربي على هامشه.
وكان في المؤتمر أيضاً وفد الإخوان المسلمين في الأردن برئاسة الأخ المرحوم محمد عبد الرحمن خليفة، المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن.
وكنا في اتحاد البرلمان العربي قد اتفقنا أن يتكلم باسمنا السيد عبد العزيز بلخادم رئيس البرلمان الجزائري رئيس دورة الاتحاد البرلماني العربي. فوجئت ونحن ندخل قاعة المؤتمر في جلسة الافتتاح بالإخوة الإيرانيين يطلبون مني أن أكون المتحدث الأول بعد رئيس المؤتمر، فقلت لهم: نحن في الاتحاد البرلماني العربي اتفقنا أن يتحدث باسمنا الأخ عبد العزيز بلخادم رئيس دورة الاتحاد رئيس البرلمان الجزائري. فقالوا بعد نقاش: هذا قرار وسوف نعطي الأخ بلخادم دوره، ولكنك أنت مطلوب أن تكون أول المتحدثين بعد رئيس المؤتمر.
ألقيت كلمة ارتجالية عبرت فيها عما أشعر به دون مجاملة أو تنميقات دبلوماسية، وتحدثت بما أومن به وما أراه بغض النظر عن الموقع أو حدود المسؤولية، ودون مجاملة لطرف على حساب طرف، وأثناء نزولي من المنصة متوجهاً إلى مقعدي سمعت صوتاً من جهة اليسار حيث يجلس العلماء وآيات الله يقول: يا عبد اللطيف.. والله إننا نحبك في الله. نظرت إلى جهة مصدر الصوت، وإذا بي أرى شخصا مهيبا يبتسم ويحييني، عرفت بعدها أنه آية الله محمد حسين فضل الله، وهو العالم المعروف الذي أهداني كتاباً من تأليفه عن الحركات الإسلامية.
كان رئيس المؤتمر هو آية الله مهدي كروبي رئيس مجلس الشورى الإيراني، وبعد جلسة الافتتاح تم انتخابي والأخ عبدالعزيز بلخادم نائبين لرئيس المؤتمر، وكانت جلسات صاخبة وفي ظروف صعبة، والحضور من العالم الإسلامي كله، وفي مكان ليس عليه أي قيود أو حدود، والكل يتحدث بما يؤمن به وبالطريقة التي يراها. ولما جاء دور الحديث لآية الله محمد باقر الحكيم رئيس حركة الثورة الإسلامية في العراق آنذاك، صب جام غضبه على العراق، ولم يعط موضوع المؤتمر ما يلزم من عناية وبيان.
فقلت له: وأنا على المنصة وأثناء مروره بجانبي: هذا تخريب. فنظر إلي وقال: أنا؟، فقلت: نعم، فنظر إلى رئيس المؤتمر آية الله كروبي بجانبي مستغربا ومستفسرا. فقال رئيس المؤتمر: نعم أخطأ الحكيم. فنزل وذهب إلى مقعده بدون تعليق. وبعد الجلسة تعاتبت أنا والحكيم، وأوضحت له ماذا عنيت ومن عنيت.
*وما هي حجم مناصرة ذلك المؤتمر للقدس، وهل نجحت طهران في تحشيد الصف الإسلامي في ذلك المؤتمر؟
- في تلك الأيام كان رئيس وفد منظمة التحرير المرحوم الشيخ عبدالحميد السائح، وقد سمع كلاما قاسيا من المنظمات الفلسطينية المعارضة لها.
في مقابلتنا لمرشد الثورة آية الله خامنئي كانت هناك حوارات موسعة، وكنت قد أخذت له هدية مجسم قبة الصخرة المشرفة في القدس، وأثناء دخولنا أخذها المستقبلون الإيرانيون من أجل فحصها قبل أن نسلمها لمرشد الثورة، وبدأ المتحدثون بإلقاء خطبهم وقصائدهم، وأخذ الأمر أكثر من ساعتين، وكان بجانبي الدكتور علي أكبر ولايتي وزير الخارجية السابق مستشار المرشد، فسألني: هل تريد أن تتحدث؟، فقلت: اجعلني آخر المتحدثين.
وعندما أعطاني الكلام قلت: أنا لا أريد أن ألقي القصائد والمدائح، وإنما أريد أن أتساءل، ماذا عملتم خلال الثلاث عشرة سنة الماضية، أين النظام التربوي الإسلامي والاقتصادي والاجتماعي، أين أنظمة ولوائح الحكم والإدارة في الإسلام، وأنا أرى نقصاً بينكم في إدارة مؤتمر في فندق، فكيف بنا ونحن نحكم باسم الإسلام أمام العالم.
وبعد حديثي رد علي مباشرة المرشد، وقال: يا أخي لو طلب منا أن نقدم لكم تقريرا لقدمناه لكم، ولكن نحن في جلسة مجاملات. فقلت له: من أكثر من ساعتين أخذ مني المسؤولون عن الاجتماع الهدية التي أحضرتها معي لكم باسم مجلس النواب الأردني، وأخذوها للفحص، وللآن لم تعد، بل لم يتم فحصها، وها نحن نغادر بدون تقديم الهدية. هل هذا يحتاج إلى علم وخبرة زائدة؟ هذا مثال أسوقه تبريراً لما قلت.
فقال: شكراً لكم، وودعنا بحرارة مع الدعاء والامتنان. لاحظت أن التلفزيون الإيراني قد بث كلمتي في الافتتاح كاملة، مع أناشيد عن القضية الفلسطينية والتي أذيعت أكثر من مرة.
قبل تلك الزيارة حاول البعض أن يوصل لي ملاحظة أن السفر إلى إيران بذلك الوقت غير مناسب، ولا حاجة إلى تلك الزيارة كلها، لكني لم استشر أحداً ولم أستأذن، وبعد أن انتهت الزيارة وجدت أن هناك ثناء عليها، ولمست ذلك من الوفد الإعلامي المرافق، ومن وزير الخارجية الأردني كامل أبو جابر.

عناوين الحلقة المقبلة
• مؤتمر عقد في كلية الأميرة عالية أقر أسس التجسير بشروط متفق عليها
• تطوير المناهج كان وفق خطة تحديث متفق عليها ومبرمجة بمدى زمني
• ترأست اللجنة العليا لبحث قضايا التعليم وشملت في عضويتها رؤساء جامعات وأصحاب اختصاص
• الدكتور سعيد التل دعم فكرة اللامركزية بشكل مطلق عندما كان وزيرا للتربية
• كنت محباً لعملي ومنسجماً مع جميع معطياته ووجهت إليه كل ما أمتلك من طاقة ووقت
• لم أكن أعرف الإجازة الرسمية المقررة ولا آخذها إلا لحاجة اضطرارية