عربيات: قانون التربية 1964 حجر الأساس بنهضة الأردن التعليمية

رئيس مجلس النواب الاسبق عبداللطيف عربيات - (تصوير: محمد أبو غوش)
رئيس مجلس النواب الاسبق عبداللطيف عربيات - (تصوير: محمد أبو غوش)

محمد خير الروشدة

عمان- يذهب بنا اليوم رئيس مجلس النواب الأسبق الدكتور عبد اللطيف عربيات إلى رحلة العمل في مدينة القدس، والجوانب الاجتماعية والمعيشية لتلك الفترة، وحتى طبيعة العمل الذي كان يقوم به في مديرية التربية والتعليم هناك.اضافة اعلان
وهناك يكشف القيادي البارز في صفوف الحركة الإسلامية الدكتور عربيات جوانب مهمة عن المضايقات الأمنية التي كانت تلاحقه كمعلم منتم إلى تنظيم جماعة الاخوان المسلمين، وأساليب التحري الأمني عنه في أماكن اقامته في مدينة القدس.
وإلى جانب الجدية التي يسبغ بها روايته، يروي عربيات لنا في حلقة اليوم من سلسلة "سياسي يتذكر" مع "الغد" كيف أن أحد زملائه ذهب إلى مركز وزارة التربية والتعليم وكذب على المسؤولين وزعم بأنه وعربيات "سكرا" في أريحا، لكي ينفي تهمة الانتماء لتنظيم جماعة الاخوان المسلمين عن عربيات. وهو ما كان يعيق انتقال أبو سليمان إلى عمان.
وفي رحلة عودة عربيات إلى عمان يكشف عن جوانب أساسية في رحلة إقرار وتطبيق قانون وزارة التربية والتعليم العام 1964، الذي يعده عربيات بأنه كان وراء نهضة مسيرة التربية والتعليم في البلاد، وأن القانون حقق سمعة رائدة للأردن في هذا المجال.
ويسند عربيات الفضل في "تأميم" كتب المناهج المدرسة إلى قانون التربية، وهو الذي أقر وشكل واعتمد مجلس التربية والتعليم كمظلة للقرارات التعليمية والتربوية المفصلية.
وكان عربيات قد عاد في الحديث في حلقة الأمس إلى ذكرياته في سنوات عمله معلما في الضفة الغربية، كاشفا عن مدة إقامته القصيرة في جنين، ومقابلته للدكتور عبد الله عزام هناك، قبل أن يغادر إلى طولكرم ويدرس العلوم الزراعية في مدرسة خضوري الزراعية المتخصصة.
كما كشف عربيات أيضا عن رفضه عرضا يقضي بنقله مديرا لمدرسة السلط الثانوية للمساعدة في ضبط الأمور والسيطرة على نشاطات الطلبة، وهو العرض الذي رفضه، حتى يكمل عمله في مدرسة خضور الزراعية، مقدما النصيحة لوزارة التربية والتعليم في أن تعين لنفس الموقع حسين كوكش.
*توقفت في الحلقة الماضية عند قصة نقلك إلى القدس حيث سعيت إلى إلغاء قرار نقلك، على الرغم من أنها فرصة لا تعوض، وقد كنت متعلقا منذ دراستك الابتدائية بالمكان وقدسيته، فلماذا التردد، كما أن في الأمر شكلا من أشكال الارتقاء الوظيفي؟ والسؤال الآخر، ماذا وجدت هناك؟ وما هي الظروف الأمنية في ذلك الزمن؟
-هنا وبالمحصلة الأخيرة التحقت بعملي في القدس مساعداً لمدير التربية في ميدان العلوم والزراعة. وكان للعمل الجديد ميزات تختلف عن واقع طولكرم والعمل في التدريس، فأنت هنا مفتش كما كان يسمى العمل الوظيفي، كما أن القدس مدينة متقدمة في حضارتها وتعامل أهلها والتزامهم بالنظام وشدة المتابعة الأمنية على كل تحرك، حتّى في ذهابك إلى المطعم وغير ذلك من الممارسات العادية.
وكان مدير التربية، حينها، المرحوم الأستاذ بشير الدباغ، وسكنت وإياه في بيت واحد في حي الشيخ جراح في القدس، ثم جاء بعده الأستاذ المرحوم عبد اللطيف عابدين، الذي بقي مديراً حتى انتقالي أخيراً لعمان.
كان من المساعدين لمدير التربية الأستاذ الشيخ سليمان الجعبري، والأستاذ الشيخ عبد الرحيم مريش، والأستاذ مصباح العابودي، والأستاذ مصطفى الكسواني، والأستاذ عبد اللطيف الحسيني، والأستاذ جريس قمعية، وغيرهم.
وبصدق كان العمل الجديد فيه تجربة جديدة، وفعلا تعرفت على مواقع وقرى جديدة، وعلى ميادين اجتماعية أخرى غير تلك التي كانت في طولكرم وجنين، ويمكن أن أذكر جوانب وصفية عن طبيعة العمل بمدينة القدس، فمن الناحية الأمنية مثلا، هناك صرامة وشدة في التعامل، وعلى مختلف المستويات.
فمثلا، عندما عملت في طولكرم، وصلتني أكثر من رسالة شفوية من مدير مخابرات المنطقة يطلب فيها أن أقابله، بدعوى أنه يريد التعرف علي. فكنت أقول لمن يذكر لي ذلك: أنا لا أذهب إلى أحد من أجل التعرف، فمن يريد التعرف علي فليأتِ لزيارتي، وأهلاً وسهلاً. وطوال عملي في طولكرم لم يحصل أن قابلت الرجل.
خلال فترة عملي في طولكرم، كنت أعلم أن المتابعات الأمنية كانت مستمرة، حتى حين كانت تتم دعوتي عند أي أحد، فقد كانت هناك تقارير بمجمل الجلسة والأحاديث فيها، وحتى نوع الطعام الذي تم تقديمه.
ذات مرة، سألني أخي عبد القادر في السلط: أين تغديت الجمعة الماضية؟
قلت له: في عنبتا.
فقال لي: وكان الغداء مسخن؟
قلت له: نعم، ومن قال لك ذلك؟
قال: وصل تقرير بك تقرير كامل اشتمل على زيارتك ونوع الطعام الذي تم تقديمه. هذا ما أبلغني به مسؤول مخابرات السلط، السيد سمارة.
حين انتقلت إلى القدس، أرسل مسؤول مخابرات طولكرم برقية إلى القدس يقول فيها إنني انتقلت عندهم، وإنني من جماعة الإخوان المسلمين الخطيرة، ويتوجب عليهم وضعي تحت الرقابة الشديدة. لقد تبينت ذلك من المتابعة الشديدة في مديرية التربية في القدس، وعندما كنت أذهب إلى مطعم السلام في المدينة، وأرى من يجلس مقابلي في المطعم، أو عندما أذهب إلى دار الإخوان في القدس وأرى الأشخاص أنفسهم يتابعونني.
في صباح كل يوم عندما كنت أخرج إلى العمل في الميدان، كنت ألاحظ أشخاصاً يقفون وينظرون إلى، ثم يتركون المكان عندما نغادر بالسيارة.
ذات مرة، وكان الأستاذ أحمد رشيد عودة قد أصبح مفتشاً عندنا بعد أن انتقل من عمله مديراً للمدرسة الرشيدية الثانوية، قال لي: هل تلاحظ المتابعات المكثفة؟
قلت: نعم ألاحظ ذلك على الدوام.
 فقال: هؤلاء رجال مخابرات، وأنا أعرفهم عندما كنت مديراً للرشيدية، فقد لاحظت أن أحدهم بعين واحدة.
في مدينة القدس، سكنت في بيت حنينا عند أنسبائنا والد الأخ حمزة طنطش. وفي إحدى المرات، أبلغني أبو حمزة رحمه الله أنه، وبعد أن أغادر البيت، يأتي من بعدي اثنان أو ثلاثة أشخاص يسألون عني. أخبرني بذلك وهو خائف.
يومها سألته: هل يوجد بينهم واحد أعور؟
قال: نعم.
كان يبدو عليه الخوف الشديد وهو يسأل، وأنا كنت أريد أن أدخل الطمأنينة إلى نفسه ونفوس أسرته، لذلك أخبرته أن هؤلاء الرجال يبحثون عن عمل، وأنهم يراجعوننا في المكتب باستمرار.
*ألم تؤثر المتابعة الأمنية لك على عملك الوظيفي في القدس، وكيف أكملت مهامك المهنية وما هو طبيعة وظيفة المفتش في ذلك الوقت؟
-كان مدير التربية عبد اللطيف عابدين من الرجال الجادين والأمناء على العمل، وكانت برامج الزيارات والاجتماعات في المديرية والمتابعات الميدانية منتظمة ووفق جدول دقيق.
في ذلك الوقت، كان نظام دوام الفترتين الدراسيتين سائدا، وكنا، خلال العمل، نأخذ معنا الغداء إلى الميدان، وأكثر ما كنا نوصي عليه من الطعام هو القِدرة الخليلية، وكان يعدّها أو يشتريها السائق المرافق لنا خلال الزيارات.
ومع أن زيارتنا للمدارس رسمية، إلا أنها كانت زيارات ممتعة وودية، وكانت تتم بواقع أكثر من مرة للمدرسة الواحدة. أما الفريق الزائر فقد كان موزعاً على سيارتين، ومن أجل التقييم والفائدة، كنا نلتقي في مساء أو صباح كل يوم، ونتبادل الرأي حول الزيارات، كما نستعرض الملاحظات التي خرج بها كل فريق، ونقوم بمناقشتها.
كانت الزيارات تشمل القدس ورام الله والبيرة والقرى المحيطة بها جميعها، وتشمل قضاء القدس كله، وقضاء بيت لحم والقرى المحيطة. كان العمل يتطلب منا المعرفة الجيدة والمباشرة للجغرافيا، وواقع توزيع المدارس في المنطقة، والمشاكل التي تعاني منها القرى، وطريقة توزيع المدارس فيها.
كنا، وبالتعاون مع الحكام الإداريين، نتدخل لحل المشاكل التي تعاني منها تلك المناطق، إضافة إلى أننا كنا نتابع التقارير الفنية والإدارية لكل المدارس، فقد كان كل ما في المدرسة قابل للرقابة والملاحظة والمتابعة، حتى التعيينات كنا نبدي الرأي فيها، ونقدم التوصيات بحسب حاجة المدارس.
أذكر يوماً أن مدير التربية حوّل إليّ طلب تعيين آذن في الحديقة المدرسية بقرية ترمسعيا، وقد أرفق مع الطلب ورقة توصية من الوزير من أجل تعيين شخص معين. حين تلقيت الطلب، قمت بإرسال رسالة إلى المدرسة المعنية، وطلبت منهم أن يقوموا بتنسيب ثلاثة أشخاص حسب الأولوية، فجاء التنسيبات بما لا يقر ما أوصى به الوزير، فلا مدير التربية ولا المساعد (أنا)، قبلا التدخل في تنسيب مدير المدرسة.
* لكن السؤال هنا يتناول جانبا من المضايقات الأمنية لك، وطبيعة موقفك السياسي في عملك التعليمي في القدس؟
-مركز وزارة التربية، كان يتابع العديد من القضايا، وكان يزورني في القدس باستمرار الأستاذ علي رؤوف، وهو مدير التعليم الزراعي في المركز. حينها، كنت قد طلبت منه أن أنتقل إلى عمان، خصوصا أن المكان كان شاغراً بعد سفر المساعد الزراعي في مديرية عمان، وقد وعدني أن يلبي لي هذا الطلب.
ذات مرة، أخبرني أن نقلي قد تم فعلا، وأنه أخذ الموافقة على ذلك. بعد حوالي الشهر، وعندما سألته من جديد عن الأمر، وماذا حدث بموضوع النقل. قال لي بلغته وأسلوبه في الكلام: "يا معلم، شوف قرابتك الوكيل". وكان يعني بذلك الأستاذ حسني فريز.
بعدها بمدة قصيرة، قمت بمقابلة الأستاذ حسني فريز في مكتبه، وسألته عن أمر النقل. كان يوجد عنده في المكتب شخص آخر، فقام من وراء مكتبه، وأخذ بيدي نحو خارج المكتب إلى الصالة الواقعة أمامه.
ثم سألني فجأة: هل أنت من الإخوان المسلمين؟
قلت له: ما علاقة هذا الأمر بالنقل. ثم قلت له من جديد: إن كان كذلك، فهل القدس غير تابعة لكم؟
سحبت يدي من يده، وقلت له: لا أريد النقل. أنا باق في القدس.
بعد مدة ليست بالطويلة، جاءني الأستاذ علي رؤوف، وقال: يا معلمي سامحني، أنا كذبت عليك في الوزارة.
قلت له: كيف؟
قال: قلت لهم بالاجتماع، يا جماعة لماذا هذه الحملة على عبد اللطيف، هذا ليس من الإخوان المسلمين. فقالوا لي أنت لا تعرفه، عندها أخبرتهم إنني وإياك (سكرنا) معا الأسبوع الماضي في أريحا.
فقلت: كيف تقول ذلك؟
قال: أريد أن أخفف الحملة عليك في الوزارة، فهم يقولون إن عبد اللطيف عندما يأتي غدا إلى عمان ويلتقي بالشيخ عبد العزيز الخياط والشيخ محمد أبو سردانة، سيؤسسون الدولة الإسلامية، لذلك أردت أن أخفف عنك.
فسألته كيف كان رد فعلهم على ما قاله، فقال: والله (انبسطوا العكاريت).
قلت له: هذه مزحة ثقيلة، وما كان ينبغي لك أن تقولها.
قال: أردت أن أمرر نقلك إلى عمان، لكنهم اكتشفوا النكتة بالتالي، وأخبروني أنهم لن يثقوا بكلامي مرة أخرى.
هذا مثال واضح على مستوى التعامل والتفكير في الوزارة، وكيف كانوا ينظرون إلى الاتجاه الإسلامي والعاملين فيه، رغم أن بعض من كانوا في الوزارة حينها، كانوا من الحزبيين الكبار، وبعضهم وصل إلى ما وصل إليه تحت هذا العنوان.
*وهل فعلا تم نقلك بهذه "المزحة" وإلى أين تم نقلك؟
-كان النقل إلى مساعد مدير تربية عمان بالصورة التي ذكرت، وقد تم تعييني مشرفاً تربوياً زراعياً لمعان والعقبة، إضافة إلى عمان وتوابعها. كنا نكلف بالإشراف على المواضيع العلمية من كيمياء وفيزياء وأحياء، إضافة إلى موضوع الزراعة الذي كان يُدرس في المرحلة الإعدادية، وكنا نقوم به في منطقة معان بشكل خاص، حيث لم تكن الاختصاصات مكتملة آنذاك.
للعمل في مديرية عمان وما يتبعها، جوانب أخرى يمكن الإشارة إليها لبيان بعض الحقائق عما كان يتم حينها، وأيضا، لبيان ما تم تطويره أو تحديثه في الوزارة.
بعد إقرار قانون التربية والتعليم للعام 1964، سيطرت على مركز الوزارة مجموعات من المتنفذين والمنتفعين من عمليات تأليف وبيع الكتب لصالح أفراد، وما سمي في حينه تجارة الكتب المدرسية. بدأ الوعي في وزارة التربية إلى هذه الحقيقة، ومنهم بعض المختصين المتخرجين بشهادات عليا في التربية مثل الدكتور نوري شفيق، والدكتور إسحق فرحان، والدكتور سعيد التل، والدكتور نجاتي البخاري، وغيرهم، إضافة إلى بعض الوزراء الذين كان لهم دور كبير في إصدار قانون التربية والتعليم رقم 16 لسنة 1964، والذي شكل حجر الأساس في نهضة الأردن التربوية التعليمية.
كان قانون التربية والتعليم ذاك عنواناً لنهضة تربوية تعليمية، وهي النهضة التي أخذت بيد الأردن نحو قيادة التجديد التربوي في البلاد العربية، حيث أصبح الأردن مركزا لتصدير الكفاءات التعليمية للبلدان المجاورة، مثل دول الخليج، وحتى البعيدة، مثل الجزائر والمغرب وليبيا.
هذا القانون، الذي يعد أول تشريع بهذا المستوى، عالج القضايا التربوية المتخصصة مثل: فلسفة التربية، والمناهج، والأهداف التربوية ومستوياتها، والتنظيم الإداري في الوزارة، والامتحانات وغيرها.
من أهم  الأبواب التي عالجها القانون، هي فلسفة التربية والتعليم، والتي نص فيها على انبثاق تلك الفلسفة في الأردن من الإيمان بالله والمُثل العليا للأمة العربية.
وعلى ضوء القانون، تم تشكيل لجنة عليا للمناهج من داخل الوزارة وخارجها لها صلاحيات، بموجب القانون، في وضع المناهج وتعديلها وإدارتها، وذلك رداً على شركات الكتب التي أثرى منها بعضهم.
نص القانون الجديد على شراء أصول الكتب وطباعتها وتوزيعها بالمجان على المرحلة الإعدادية، وبسعر الكلفة على المستوى الثانوي، وكان ذلك بمثابة "تأميم" الكتب المدرسية، لأن كلمة "التأميم" كانت دارجة في ذلك الزمان، وكنا نقول عملية التأميم الوحيدة الناجحة في البلاد العربية هي تأميم الكتب المدرسية في الأردن.
أذكر أنني كنت مديراً لمكتب الكتب المدرسية في أواخر ستينيات القرن الماضي، وطبعنا كتاباً في اللغة العربية للمرحلة الابتدائية، كانت كلفته للأعداد المطلوبة لجميع مدارس المملكة قرشين ونصف للنسخة الواحدة، بينما كان يباع للطلبة قبل التأميم بخمسة وعشرين قرشا.
اللجنة العليا للمناهج أصبحت فيما بعد مديرية المناهج والكتب المدرسية، وهي أهم وأكبر مديرية في الوزارة.
من الجوانب المهمة الأخرى التي أثراها القانون، كانت إلزامية التعليم، بعد أن حدد الدستور الأردني العام 1952، أن إلزامية التعليم تكون حتى نهاية الصف السادس الابتدائي، فجاء قانون التربية المشار إليه بإلزامية التعليم حتى نهاية المرحلة الإعدادية، وهي الصف التاسع منذ ذلك التاريخ. واليوم أصبح حتى نهاية العاشر الأساسي، وهو ما يسمي اليوم بالتعليم الأساسي.
كما شمل القانون الكثير من المجالات الأخرى، مثل: التعليم الخاص والامتحانات المدرسية والعامة، وكان نصيب امتحان الثانوية العامة واضحاً، حيث نص القانون على أن قرارات الامتحانات العامة (شهادة الدراسة الثانوية العامة)، قطعية وغير قابلة للطعن أو التمييز لدى أي محكمة.
كما أكسب القانون وزارة التربية والتعليم رؤى واضحة لحفظ وتطوير جميع مناحي التربية، وهذه الخطط عشرية المدى، أي يتم تطبيقها في كل عشر سنوات، فكانت خطة التربية لعقد الستينيات: كم التعليم، ولعقد السبعينات: تنويع التعليم، ولعقد الثمانينات: نوعية التعليم، ولعقد التسعينات: تطوير التعليم.
هذه الخطط بهذه الرؤى الواضحة وبوضع أنظمة إدارية موازية لذلك، جعلت التربية المؤسسة المدنية الأولى في الأردن من هذه النواحي.
أذكر أنه بعد بضعة أشهر من تعيين الأستاذ مضر بدران وزيراً للتربية في السبعينات، وقد كان قبلها مديراً للمخابرات ورئيساً للديوان الملكي. قال لي: وزارتكم لا تحتاج إلى وزير.
قلت: كيف؟
قال: جئت إلى الوزارة منذ أشهر عديدة، وحتى اليوم أنا لا أستطيع أن أغير أو أبدل في أي تنسيب يقدم لي، فكل التنسيبات تقدم إلي بموجب مادة محددة بالقانون أو النظام أو التعليمات الصادرة، لذلك لا يكون أمامي سوى التوقيع عليها، لأن كل شيء مقنن وفق تشريع واضح.
هذا مثال على سلامة مسيرة التربية والتعليم على مدى أربعين عاماً، حيث حصلت أخيراً على أفضل وزارة للتربية في الأربعين سنة الماضية، حسب تقرير اليونسكو الأخير.
كما تم تشكيل مجلس التربية والتعليم، بدلاً من اللجنة العليا للمناهج والكتب المدرسية، واعتبر ذلك من الإنجازات الكبرى في قانون التربية والتعليم للعام 1964، فتم تشكيل مجلس التربية والتعليم الذي حل بدلاً من اللجنة العليا للمناهج والكتب المدرسية.
كما جاء في القانون المذكور، وأعطي هذا المجلس صلاحيات مباشرة ومحددة فيما يخص المناهج والكتب المدرسية، ويرأسه وزير التربية والتعليم، وثلث أعضائه فقط من الوزارة، أما الثلث الثاني فهو مشكل من أصحاب الخبرة والاختصاص، ويتم اختيارهم بصفاتهم الشخصية، والثلث الأخير ممثلون للوزارات ذات الاختصاص، وحسب العلاقة بالعملية التربوية في الدولة. ويرأس هذا المجلس الوزير، ويمثل الوزارة فيه أمين عام الوزارة ومدير عام المناهج والكتب المدرسية ومدير التخطيط ومدير عام التعليم العام.
لذلك، فمجلس التربية هو صاحب الحق والصلاحية في تغيير أو تطوير أي جزئية في المناهج والكتب المدرسية والسياسات العامة للوزارة، وما يتبع ذلك من أمور تربوية. فالقانون حفظ مسيرة التربية لعقود كثيرة بالرغم من التغيير المستمر للوزراء، ولكن المسيرة في خطها المرسوم الذي يشرف عليه مجلس التربية والتعليم، الذي أشرنا إليه فيما سبق، مستمر وبشكل مؤسسي.