عصر الثقافة والقادة الاجتماعيين

بصعود رأس المال البشري والاجتماعي كمحرك للاقتصاد والموارد والأعمال تصعد الثقافة، بما هي وعي الذات، أو على نحو عملي قدرة الأفراد والأمم (الدول والمجتمعات والأفراد والأسواق) على إدراك ما هو أفضل لحياتها وعالمها والسعي في هذا الاتجاه، وبطبيعة الحال فإن الرواد والقادة في هذه المرحلة سيكونون قادة اجتماعيين، باعتبارهم الأكثر قدرة على التأثير والإلهام وتحريك الأفراد والجماعات نحو أهدافها ومصالحها. كان لكل مرحلة إنسانية روادها وقادتها، والعصور دائما تنسب إلى الموارد والأعمال، الحجر، الحديد، البرونز، الصيد، الرعي، الزراعة، الصناعة، .. وفي اقتصاد المعرفة السائد اليوم، تنحسر نخب وأرستقراطيات وتصعد أخرى، ففي صعود ميكروسوفت وغوغل وفيسبوك وأمازون وأبل وآيفون وهواوي وسامسونغ؛ يصعد ايضا القادة والرواد الذين يملكون القدرة الجديدة على تنظيم المصالح والأعمال والمجتمعات. في مرحلة الصناعة التي سادت العالم منذ القرن السابع عشر، انحسرت الامبراطوريات ومعها قادة الأمم والمجتمعات من الأرستقراطيين والإقطاعيين وملاكي الأراضي والمواشي والفرسان المقاتلين ورجال الدين، وصعدت الدولة المركزية والتي هي نتاج المطبعة والآلة البخارية، وصعدت معها طبقة جديدة من القادة من موظفي الدولة والمهنيين كالأطباء والمحامين والمهندسين والمعلمين.. كان عصر الطبقة الوسطى والتنظيم المركزي الأخلاقي والاجتماعي، هكذا صعدت المدارس والمؤسسات التنظيمية والإرشادية والجماعات الوسيطة بين الدولة والمجتمع، مثل النقابات والأحزاب.. وما تزال حتى اليوم قوية ومؤثرة بالطبع، لكنها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تواجه تحديات مصيرية ووجودية؛ هي في واقع الحال تلعب في الوقت الضائع! يمكن الملاحظة على سبيل المثال كيف يزيد حضور الفئات التي كانت تتعرض للتهميش والإقصاء، لأنها ببساطة تملك الوعي الكافي بأزمتها ووجودها وتبحث عن الفرص الممكنة للخروج من هذه الأزمة، ولذلك فإنها الأكثر دأبا ونشاطا، وهو مثال يؤشر إلى صعود الوعي والثقافة وظهور الفرص والموارد الجديدة، وفي المقابل فإن الطبقات والمصالح والقيادات المستفيدة من الوضع القائم سوف تدافع عنه بكل ما تملك، وللسبب نفسه فإن المهمشين (سابقا) هم الأكثر إدراكا ووعيا للتحولات والأعمال والموارد الجديدة، وأما المستفيدون (السابقون) فإنهم لا يشغلون أنفسهم بفهم هذه التحديات والأفكار الجديدة وحتى القديمة طالما أن منظومة العمل والموارد تعمل لصالحهم، فالفكر والذكاء والإبداع ليست سوى حيلة إنسانية لمواجهة العجز والتحديات، فإذا كانت ماكينة الحياة والأسواق والمؤسسات تعمل لصالحنا فلا ننشغل بفهمها طالما أنها تعمل وتدور لصالحنا، وهكذا فإن المستبعدين يعملون كل ما بوسعهم لفهم هذه الماكينة ومحاولة توظيفها لصالحهم، وسيكونون بطبيعة الحال الأكثر حاجة إلى الإبداع والإلهام، لأجل التأثير في السياسات والأسواق والأعمال لصالحهم. وهكذا أيضا وجد الناشطون والقادة الاجتماعيون الجدد مجالاً جديداً للعمل والتأثير، وخرجت من الحصار والتهميش طبقات وفئاتٌ لم يكن متاحاً لها من قبل المشاركة، واتخذ النضال لأجل الكرامة والحريات والمساواة وتحسين الحياة أدواتٍ ووسائل جديدة، وسلك في آفاق جديدة مختلفة. وسأغامر بالقول إن النخب التي تشكلت مصاحبة للدولة الحديثة في السنوات المائة الماضية، من قادة السياسة والمجتمعات والأعمال والثقافة والمؤسسات، تؤول إلى الانحسار، إلا فئة قليلة من القادة الذين يحاولون أن ينهضوا بدولهم ومجتمعاتهم وأعمالهم، ويستوعبوا التغيرات، أو تسعفهم نياتهم الحسنة في الإصلاح. سوف تعيد المجتمعات تنظيم نفسها من جديد، حول أولوياتها وخدماتها، لتدير، معتمدة على نفسها، مواردها وخدماتها الأساسية في التعليم والرعاية وتوفير السلع والخدمات. وبذلك، سوف تعيد إدارة وتنظيم علاقتها بالحكومات والشركات اعتماداً على قدراتها وفرصها الجديدة. وسوف تكون المجتمعات قوة ثالثة جديدة، إلى جانب الشركات والحكومات، وبطبيعة الحال، فإن قادة المجتمعات سوف يكونون هم القادة السياسيون لأنهم ببساطة هم الذين سينجحون في الانتخابات النيابية والعامة ويستمع إليهم الناس.اضافة اعلان