علل الاقتصاد

نقل عن العالم الفيزيائي البيرت اينشتاين قوله "في بداية حياتي احترت بين دراسة الفلسفة أو الاقتصاد فوجدت الفلسفة أصعب مما يجب .. ووجدت الاقتصاد أسهل مما يجب .. فقررت دراسة الفيزياء" وهكذا كان. ولكن يبدو أن معضلات الاقتصاد ليست دائما كما تبدو لألمعي مثل أينشتاين ولا من هم دونه. فعلل اقتصادنا الأردني –مثلا- يبدو أنها بحاجة إلى عقول وهمم وإرادات وأخلاق لإخراجه من غرفة الإنعاش وصولا إلى عافية حقيقية، مما قد تهون عنده نسبية اينشتاين وفلسفة كانت! . الخطة الاقتصادبة الحكومية -ممثلة بالموازنة العامة- حاولت الالتفات –إلى حد ما- إلى تحفيز الاقتصاد، والحد من ارتفاع البطالة من خلال الإبقاء على زخم الإنفاق لتحريك عجلة الاقتصاد –وهو إنفاق تذهب النفقات الجارية بتسعة أعشاره-، ومن أجل تغطية هذا الإنفاق –فضلا عن تغطية التزامات المديونية- فلا بد إذاً من توفير إيرادات من خلال الضرائب والرسوم، وبذلك ترتفع الأعباء على المواطن المثقل، ويستمر كذلك عجز الموازنة ويزداد أيضاً الدين العام، ووفقا لذلك يتولد انطباع غير مريح في البيئة الاستثمارية بعدم الاستقرار الضريبي، فيتراجع الاستثمار الأجنبي والمحلي، فلا يتحفز الاقتصاد ولا تنخفض معدلات البطالة. ولكن ماذا لو لم تفرض الضرائب؟ ستخفض الحكومة من الإنفاق، مما يؤدي إلى الانكماش وتهديد فرص العمل الحالية، ومواجهة تبعات اجتماعية قد تكون واسعة، ناهيك عن إخلاف الوعود مع الدائنين والصناديق ذات السطوة، ومن خلفهم المقرضون. فعلى أي جانبيك تميل!. الطريقة المعتادة في محاولة الخروج من هذا الوضع، كانت من خلال تذكير دول المساعدات بأهمية استئناف مساعداتهم -التي لم نتهيأ بعد للاستغناء عنها- من أجل مصلحة الإقليم. فالارتباط العميق بين السياسة والاقتصاد قدر الأردن ربما أكثر من أي دولة أخرى، فالأردن محكوم منذ تأسيسه بأن يعتمد على المنح والمساعدات،فالمساعدات الخارجية والعربية -والتي أصبحت تتناقص بينما ترتفع كلفتها السياسية والأخلاقية ـ تشكل عصباً حيوياً لاقتصاد الأردن الذي يترقب ما سيتمخض عنه مؤتمر لندن في شهر شباط القادم على أمل تقديم دعم معقول لاقتصاده ولكنه مؤتمر غير مضمون النتيجة ولا ينتظر له طول عمر. وبخلاف المساعدات وأثمانها وقيودها، فليس ثمة حلول اقتصادية –ذات أثر- بدون معاناة وآلام تطال الجميع أو تنال من طبقة اجتماعية أو اقتصادية لفترة تطول أو تقصر، فالحلول المطروحة أمامنا الآن –مهما بدت مقنعة- كلها طويلة الأجل ويتطلب تحقيقها صبرا ووقتا، ومن أمثلة ذلك ما يقال عن تنويع مصادر الدخل، والتقليل من الارتهان إلى المساعدات الخارجية، أو تعزيز البنية التحتية والبيئة الاستثمارية الأردنية، أو إيجاد أسواق خارجية جديدة للمنتجات المحلية وتحسين جودتها، وكذلك تقليص النفقات الجارية والقضاء على كل أشكال الفساد والمحسوبية، و كل ذلك يتطلب عملاً مخلصاً ومدى زمنيا ليس بالقصر الذي نرغبه. فكيف إذاً يمكن أن يكون دفع الثمن برضى وقبول وتفهم وتوافق، حتى لا تكون الاستجابة له بتعميق الفجوة بين الدولة والمواطن، وبين المواطن والقانون، واستشراء حالة اليأس وفقدان الثقة والتشكيك بكل إجراء حكومي، ومشروع للإصلاح قد يكون متجرداً وقابلاً للنجاح. هنا يقول الاقتصاديون المحليون -قبل أن أقول- بأننا نحتاج إلى القيم الصادقة، فنحتاج إلى أكبر قدر من التوافق والشفافية، ونحتاج إلى استنهاض مجتمع متكافل متعاون ينبذ الأنانية فالقضية ليست شعارات ولا خطبا، ودونها مصاعب وعقبات لكنها تظل الطريق الأسرع. من حق الناس على الحكومة أن يتأكدوا أن التزامات الحكومة هي التزامات من الدولة، وليس من أجل تمرير إجراءات أو تجاوز ظرف أو عبور مرحلة. ومن حق من يطالب بأن تكون محاربة الفساد نهجا أن يلمس ذلك، فلا يجد الفساد حماية لا من المسؤول ولا من المجتمع. ومن حق الأجيال أن لا نورثها دولة مفلسة وديونا لا يقدرون عليها .اضافة اعلان