على أبواب المساجد.. ثلاجات طعام "تجبر خاطر" المحتاج

ثلاجة طعام أمام مسجد قولاغاصي بتلاع العلي- (تصوير ساهر قداره)
ثلاجة طعام أمام مسجد قولاغاصي بتلاع العلي- (تصوير ساهر قداره)

مجد جابر

عمان- أياد بيضاء تتلمس حاجة الآخر، في مجملها تصب في تحقيق معنى التكافل المجتمعي، وتوفير ما يعوزه الفقير. ذلك الخير، الذي يتضاعف في شهر رمضان المبارك، يساعد به كل شخص بحسب قدرته وإمكانياته، لكن الهدف الذي يوحد كل ذلك، هو الوقوف مع من أتعبتهم الظروف وافتقدوا حتى لأبسط مقومات الحياة من مأكل ومشرب.اضافة اعلان
أشكال العطاء تتعدد وتختلف، وكلها تحقق فائدة لإنسان يحتاج لمن يشعر به، ويلمس أوجاعه، ولكنها وجدت طريقها في شهر رمضان بما يحفظ حاجة الفقير للسؤال، وتعطيه الحرية في اختيار ما يلزمه من طعام يسد رمقه وأسرته في هذه الأيام الفضيلة.
لعل هناك الكثير من المبادرات الإيجابية المنتشرة، غير أن ما كان ملاحظا في هذا العام، هو انتشار الثلاجات على أبواب المساجد، بحيث تقوم العائلات بتجهيز وجبات الطعام وترتيبها بطريقة لائقة ووضعه في داخلها، بالتالي تقوم الأسر المستورة بأخذها والاستفادة منها.
وربما تكون فائدة هذه المبادرات تعود بالنفع على جميع الأطراف، المتبرع والمحتاج، فمن المعروف في رمضان أن العائلات تقوم بتجهيز كميات وأصناف قد تكون أكثر من حاجتها بكثير، وينتهي به المطاف بكثير من الأحيان لسلات القمامة، بالتالي فإن هذه الطريقة والمبادرة الطيبة تعني أن تذهب كل المأكولات الزائدة لأسر محتاجة، وفي الوقت ذاته لا يشعر من يلجأ إليها بالإحراج، خصوصا وأنها موجودة أمام أبواب المسجد.
هكذا مبادرات إيجابية، يلجأ لها المجتمع لتحقيق التكاتف والتكافل، والأهم استمرارها وديمومتها وانتشارها في مختلف الأماكن، وفق متخصصين، بحيث تصبح ظاهرة موجودة في كل مكان وزمان، لإيجاد حالة من التوازن ما بين طبقات المجتمع، وتعزز قيم التكافل والتراحم بطرق تحفظ كرامة الفقير ولا تشعره بأي نوع من الإحراج له أو لعائلته.
ويذهب الاختصاصي الاجتماعي الدكتور محمد جريبيع، الى أن هذه المبادرات تعود بالنفع على المجتمع الأردني الذي كان وما يزال يطبق هذا النوع من الظواهر وإن أخذت أشكالاً مختلفة، فمسألة إرسال الطعام الزائد، موجودة منذ زمن، إلا أنها الآن باتت أكثر شمولية وتأخذ بعين الاعتبار التطور الذي يحدث بالمجتمع وكذلك احترام خصوصية الأسر الفقيرة.
انتشار ثلاجات على أبواب المساجد تحتوي على الطعام، من أجمل الظواهر وأفضلها، وهي إيجابية ومؤثرة، خصوصا أن الشخص هنا يقدم هذه الخدمة لعائلات وأفراد مستورين يحافظون على كرامتهم، فهنالك أشخاص يشعرون بالإحراج من أخذ أي شيء حتى لو كانوا بحاجة له، وفق جريبيع.
وبالتالي، فإن وضع الطعام في مكان مخصص له وعدم رؤية من سيأخذه، يُشعر الطرف الآخر بالراحة النفسية وصون كرامته، كذلك وضعها أمام المسجد يعد فكرة مريحة أيضاً لأن المسجد هو بيت الله، وبالتالي لا يشعر الشخص بأنه أخذ احتياجاته من شخص معين.
ويشير جريبيع الى أن فكرة المساعدة من دون أن ترى العائلات المستورة من الذي ساعدها هو أمر مهم جداً ويترك آثارا نفسية كبيرة إيجابية، ويتحول ذلك الأمر الى بادرة خير ويعم العطاء بالمجتمع.
ويرى الاختصاصي التربوي الدكتور عايش النوايسة، أن هذه الظاهرة هي على درجة كبيرة من الأهمية وتخدم أكثر من جانب في آن واحد، فهي تعزز التكافل الاجتماعي بين الناس، وتجعل الأشخاص الميسورين أكثر شعورا مع الفقراء، خصوصاً في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها المجتمع وما تركته جائحة كورونا من عجز اقتصادي وحاجة كبيرة لدى العديد من الأسر.
كذلك، يبين النوايسة أن تلك المبادرات تسهم بتغيير السلوكيات الاستهلاكية، خصوصا في موضوع هدر الطعام، إذ إن كثيرا من الوجبات تذهب الى الحاويات، بالتالي فإن هذه الفكرة تأتي لتنهي كل ذلك، وتحقق مبدأ العدالة.
ويشير النوايسة إلى أن وجود هذه الثلاجات يجعل أي أسرة لديها طعام فائض تحرص على أن ترسله بطريقة مرتبة ونظيفة ولائقة، خصوصاً أن هناك الكثير من الأسر المحتاجة، عفيفة النفس وترفض الطلب أو التعبير عما تحتاجه حقا، بالتالي يجدون من هذه الثلاجة حلا يؤمن لهم ما يريدونه دون الالتقاء مع الشخص المتبرع.
ووفق النوايسة، فإن الناس مع هذه المبادرات الإنسانية، يزداد شعورهم مع بعضها بعضا، خصوصا في "جبر خواطر" معوزين يشعرون بأن هناك من يفكر بهم ويلمس حاجاتهم، وهؤلاء أيضا لهم الأجر على ذلك.
ويعتبر النوايسة أن المبادرة تعطي صورة جميلة عن هذا المجتمع المتكافل المتراحم، مبيناً أنه لابد من أن تنتشر هذه الفكرة في المحافظات بشكل أكبر وأن لا تكون حكرا فقط على أيام الشهر الفضيل، بل على العكس، فالمحتاجون موجودون طوال العام، والظروف الاقتصادية تزداد صعوبة، لذلك "نحن في أمس الحاجة حاليا لتعميم هكذا أفكار إنسانية تلتقي مع صفات وعادات المجتمع المحب والمتراحم".