على "دواوير" العاصمة

أمس، قمت بجولة واسعة في شوارع عمان، لا لشيء إلا إلقاء نظرة على شوارعها بعد أن نشر المرشحون للانتخابات النيابية صورهم فوق كل مساحة متاحة في فضائها العام. وقد أحببت أن أتعرف على صور المرشحين والمرشحات، وأسماء القوائم ومن هم فيها، والألوان التي اختارتها كل منها لخلفيات صور المرشحين، وإمكانية الاستدلال على الممولين من خلال مواقعهم ووضعية وقوفهم أو جلوسهم في الصور الجماعية.اضافة اعلان
وأفادتني الجولة في التعرف على أسماء بعض العائلات التي لم أكن أعرفها من قبل، ومشاهدة صور لأسماء لا أذكر أن لها سجلا في العمل العام. كما نجحت في استكشاف مدى إفادة بعض الأشخاص من تقنيات الـ"فوتوشوب" التي ألغت التجاعيد، وأضفت شيئا من الإشعاع على الملامح.
الجولة الطويلة بدت مسلية ومثيرة، وأشبه ما تكون بزيارات المتاحف، مع بعض الاختلافات الجوهرية بين الصور التي يعرضها أصحابها في الساحات العامة والشوارع وعلى واجهات المباني، ليذكروك بأنهم على قائمة المتسابقين ليمثلوا إرادتك في مجلس النواب، وبين موجودات المتاحف القيمة التي جرى اختيارها لما تحظى به من تقدير لدى الرواد الذين غالبا ما يتوقفون عندها للتعبير عن إعجابهم وتقديرهم لرمزية ودلالات ومضامين المعروضات.
شوارع عمان التي عُرفت ببساطتها وجمالها، بدت مكتظة بالألوان التي تولد انطباعات القوة والتأثير. ومن دون عناء كبير، تستطيع أن تقرأ الكثير في الصور التي تسابق أثرياء المرشحين على عرضها في الفضاء العام. وفي كثير من هذه الصور المعروضة لا توجد رسالة يمكن أن تساعد أو ربما تشجع الناخب الذي لم يقرر بعد، على اتخاذ موقف أو تغييره؛ إذ إن كثيرا من المرشحين عرضوا صورا شخصية، برغم أنهم اعضاء في قوائم. وجزء كبير من الصور يفترض أن صاحبها معروف بإنجازاته أو بطل قومي ترسخت صورته في وجدان الأمة، فأصبح لا يحتاج لأن يقول شيئاً، فقط يطل على الناس ليتذكروا مآثره.
في المشهد صور تفترض ضمنا من خلال ترتيب شخوص القائمة، أن أحدهم أهم من الجميع. والسؤال الذي يتولد في ذهن المشاهد في هكذا حالة، لا يتعلق بأهمية التمويل في هذا الترتيب فحسب، بل يتوسع ليستفسر عن كيف يرى بقية الأعضاء أنفسهم، وهل بمقدور شخص لا يملك إرادة كاملة أن يمثل إرادة الأمة؟
الحقيقة التي يتداولها الناس هي أن أصحاب رؤوس أموال، ويسعون بشديد حماس على العودة إلى المقاعد التي شغلوها لسنوات، أصبحوا يتعاملون مع بقية الأعضاء في قوائمهم على أنهم إكسسوارات لا أهمية لوجودها بعد تسجيل القائمة، فيعملون على إطلاق حملتين دعائيتين؛ الأولى جماعية بحكم الضرورة، والثانية فردية بأسمائهم وصورهم من دون أي ذكر لآخرين.
الجديد في انتخابات هذا العام هو دخول مفهوم "المرشح الحشوة" إلى أدبياتنا السياسية. فهناك طبقات وأنواع ومستويات للمرشحين.  فمن بين ما يزيد على 1200 مرشح في القوائم التي استكملت أوراقها، توجد أعداد كبيرة ممن أدرجوا لغايات استكمال القوائم، بغرض مساعدة المرشح الرئيسي "كبير القائمة" على  الفوز. بعض الاشخاص يجري إدراج أسمائهم كمرشحين في القوائم لجلب أصوات إضافية، وآخرون بغرض إحداث انشقاق وتصدعات في الجماعات المنافسة.
في معظم الحالات التي صادفتها حتى اليوم، لم تقع عيني على برنامج جدي، ولم أسمع من يتحدث عن تحديات وطنية، بمقدار ما يجري الحديث عن تكتيكات وألاعيب تساعد على إضعاف المنافسين واستمالة الناخبين. والمزعج في انتخابات هذا العام هو الانسحاب المبكر لعدد من ذوي الخبرة من غير رجال الأعمال.