على هامش ردود الفعل على الفيلم المسيء متى يقول لنا الغرب: الآن فهمتكم؟

محمود أبو فروة الرّجبيّ *

ردود الفعل على الفيلم المسيء للرسول - صلى الله عليه وسلم- كانت كبيرة وواسعة ومتوقعة جداً، وقد انتقد البعض هذه الردود، وأشاروا  إلى أنها ساهمت في نشر الفيلم، رغم أنه ضعيف من  الناحية الفنية، والإخراجية، بل إنه من الواضح أن السيناريو المكتوب ركيك، وغير محبوك، ويعاني من إشكاليات كثيرة، ونستطيع ان نشم من ورائه عملية نصب كبيرة على مجموعة من الممولين بهدف الحصول على المال من قبل منتجه المفترض صاحب السوابق القضائية، مع ان الظاهر هو محاربة الإسلام. اضافة اعلان
وتطل علينا الأخبار عن نية مجلّة فرنسية نشر صور مسيئة للرسول الكريم، وهذا كله يستفز المسلمين في كل مكان، ويجعل محاولات التوفيق بين الشرق والغرب في مهب الريح، ويدخل الحوار بين الأمم في نفق مظلم. 
في البداية يجب الإشارة إلى أن الغرب، والولايات المتحدة الأميركية بالتحديد، ورغم انفاقهم مليارات الدولارات على مراكز الأبحاث والدراسات، الا أنهم للآن لم يستطيعوا فهم العقلية الإسلامية، ولم يتمكنوا من التعامل معها بشكل صحيح، وهم يطمحون إلى التواصل مع العقل الإسلامي لأهداف سامية من جهة، ولأخرى سيئة لها علاقة بالعقلية الاستعمارية، والسيطرة على العقول، ولنشر القيم الرأسمالية الّتي لا تختلف في نتائجها المدمرة عن الإرهاب وتوابعه من جهة أخرى.
في الخلاصة فإن كلا من الغرب والمسلمين ينطلقون من أساليب تفكير مختلفة، تجعلهم غير قادرين على فهم بعضهم، فنتيجة لمجموعة من التطورات في الحياة العامة، وطريقة التفكير هناك – أي في الغرب- أصبح الحديث عن المقدسات عادياً، ونقدها والاستهزاء بها طبيعياً، واستطاع رجال الدين المسيحي واليهودي برمجة عقولهم على تقبل الإهانات الموجهة لرموزهم الدينية، وفقاً لمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان المعمول بها في ديارهم، وهذا الأمر لا ينطبق على العالم الإسلامي الّذي لم يدخل في هذه المرحلة بعد.
الغرب يريد من العالم الإسلامي ان يتقبل الإهانات بكل صدر رحب، وهنا نختلف معهم فيه لدرجة كبيرة، ويريدون أيضاً لعالمنا الإسلامي أن يكون ديمقراطياً، ومحباً للحرية، وهذا الأمر لا نختلف فيه معهم، ويمكن مع مرور الوقت ان نبرمج أنفسنا عليه، ونعيد "تأهيل" أنفسنا لنصبح مثلهم ، لكن المشكلة تحصل حينما نرى الغرب نفسه ينقلب على معاييره، وقيمه حينما يتعلق الأمر بمصالحه، وهناك نقاط تجعلنا نحن المسلمين لا نتقبل الكثير من القيم الغربية المتعلقة بالحرية، كرد فعل على بعض الأمور وليس لأننا لا نتوق للحرية، ولا نحبها، أو لأننا نعادي الغرب بسبب نجاحاته الباهرة، ومن هذه الأمور:
أولاً: استثناء السامية، والحديث عن الهولوكوست من حرية الرأي والتعبير في الغرب، وهذا يجعلك تستغرب حينما يتبجح البعض هناك ويدعونك لتكون حراً، وديمقراطياً، وتتقبل الرأي الآخر، بينما تسقط القوانين كلها أمام النفوذ الصهيوني، ويتم مراعاة مشاعر أربعة عشر مليون إنسان – هو عدد اليهود تقريباً في العالم -، وهذا الأمر لا يتم تطبيقه على المسلمين الّذين يصل عددهم إلى المليار ونصف المليار، وأنا هنا أدعو الغرب كله أن يقنعنا بهذه المعادلة الغريبة لعل عقولنا تغير وتبدل، وتفكر بطريقة مختلفة، وهذا الأمر لا ينطبق على الأمور الفكرية بل يتعداه إلى تقبل انتهاكات حقوق الإنسان وفقاً للمصالح، وترك "إسرائيل" دون عقاب رغم المجازر الدموية الحقيرة الّتي ترتكبها، ورغم ما تفعله من عمليات تعذيب جماعي يندى لها جبين البشرية في فلسطين الّتي حولتها إلى أكبر سجن في التاريخ، إضافة إلى سجل الولايات المتحدة المقزز في مجال حقوق الإنسان في العراق وأفغانستان وغوانتانمو، هذا ناهيك عن دعم الولايات المتحدة الأميركية لأنظمة ديكاتورية في العالم لأنها موافقة لمصالحها، وتحارب أنظمة أخرى لا تختلف عن الأولى لمجرد أنها لا تعمل ضمن منظومتها المصلحية. 
 ثانياً: هناك فصل شبه كامل في الغرب بين الأخلاق الرّائعة الّتي نسمع عنها، والقيم الجميلة الّتي بنتها الحضارة الغربية، وبين المصالح، ولعل المراقب للأوضاع يلاحظ أنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وخروج الشيوعية من المعادلة الدّوليّة، توقفت محاولات تشذيب، وتهذيب الرأسمالية، وما نراه اليوم من طبقية هائلة، وبدايات تآكل الطبقة الوسطى في العالم، ووجود عائلات مالية عملاقة تسيطر على الشّركات عابرة القارات أدّى إلى سيادة تطبيقات مخالفة للقيم الّتي ربي عليها الغرب، ونستطيع ان نقول أننا الآن في الشرق والغرب دخلنا مرحلة العبودية الجديدة الّتي لا تحتاج منك إلى أن تكون عبداً لسيد وفق المعادلة القديمة، بل إن سيطرة رأس المال بشكله الجديد تجعلك أسوأ من ذلك، فأنت الآن مجرّد بقرة حلوب يتم حلب آخر قطرة دم منها بطريقة وحشية. 
ونعود إلى موضوع الفيلم وردود الأفعال، لن انتقد هنا المسلم العادي البسيط الّذي يرى مثل ذلك الفيلم المقزز الّذي يفتقر إلى الحد الأدنى من الأدب واللياقة، ولا يرى ردود فعل غربية كافية عليه فيخرج للشارع غاضباً.
 ولن أقول لهذا المسلم البسيط توقف، مع إيماني بضرر العنف، وضرورة نبذه تحت أي ظرف، ولكنّني أضع جزءاً كبيراً من اللوم على الحكومات العربية والإسلامية، فالمسلم لو كان واثقاً بحكوماته وقدرتها بالتأثير على الغرب، لما اضطر إلى الخروج إلى الشّارع، بل ان المسلم العادي بات يعتقد أن حكامه يقولون شيئاً للغرب في العلن، ويسرون لهم في الوقت نفسه بأشياء أخرى تناقض الأولى في السر.
شخصيّاً شعرت بالحزن الشّديد على مقتل السفير الأميركي في ليبيا، وأنا ضد قتل أي إنسان، حتى لو كان بسيطاً، وفي الوقت نفسه أدرك الورطة الّتي وقعت بها حكومة الولايات المتحدة الأميركية الّتي لا تستطيع ان تخالف قوانين بلادها، ومع تقديري للادانة الّتي قدمتها الحكومة هناك لما جاء في الفيلم، ولاعتقال منتجا المفترض بطريقة توحي للمسلمين أن الأمر له علاقة بالفيلم، وفي الوقت نفسه توحي للاميركيين ان الأمر له علاقة بمخالفة قوانين العقوبات هنا، ولكن يحق لي كمسلم، وكإنسان أن اتساءل:
لماذا لا تقوم الدّول الغربية بعمل ميثاق حقيقي يكفل إيجاد أرضية للتفاهم مع العالم الإسلامي قائمة على الاحترام المتبادل، وصون المقدسات، بعيداً عن العنصرية، والعقلية الرأسمالية، وحب السيطرة، والمصالح القاتلة، ميثاق يعتبر حق الإنسان مقدساً ولو كان منتهك هذا الحق اسرائيليا، أو اميركيا، أو إفريقيا؟ 
وأقول – كشخص مسلم- للولايات المتحدة الأميركية، وأعدها بأنني لن أحتج على أي فيلم قادم مسيء، إذا هي الغت من قوانينها ما يتعلق بمعاداة السامية، وإذا أعطتني الحق في أن أكتب في أي صحيفة أميركية وأنتقد فيها "إسرائيل علنا" وأبدي رأيي بما يطلق عليه المحرقة النازية، ووقتها يمكن أن أعيد النظر بطريقة تفكيري نحو بعض الأمور، ويمكن ان ابدأ بالاقتناع أن علي مراعاة طريقة تفكيرهم الّتي تختلف كلياً عن طريقة تفكيري.
ومع كل ذلك أقول أنه يجب ان نجد الأرضية المشتركة للعيش معاً  بعيداً عن العنف، لنصل إلى عالم نظيف، وعادل، يحترم حقوق الإنسان بغض النظر عن لونه، وأصله، وجنسه، ودرجة قربه من أصحاب المصالح والنفوذ، عالم يسعى إلى تهذيب الرأسمالية وتقليل وحشيتها. 
الله وحده يعلم خطورة القادم ما دامت الأصابع الّتي تحرك الفتن تستغل القوانين، والحرية المتاحة من أجل تأجيج الصراع. 


* كاتب أردني