علينا أن نقر ونعترف

ماهر أبو طير

مئات التخصصات التي تدرسها الجامعات الأردنية، وهي في الجامعات الحكومية تصل الى 554 تخصصا، إضافة الى التخصصات التي قد لا تكون متوفرة الا في الجامعات الخاصة.اضافة اعلان
اكثر من 52 ألف شخص تم قبولهم في الجامعات الحكومية، ومقابلهم سوف يذهب الآلاف للجامعات الخاصة، في نفس التخصصات، او غيرها، والى الكليات، والى الجامعات خارج الأردن، وكل هذا يقول اننا امام طوفان بشري، من الخريجين، سيتزامن دخولهم الى هذه الجامعات مع تخرج عشرات آلاف الطلبة، من كل مكان داخل الأردن، او من خارجه.
حين تقرأ الأرقام وتكتشف ان هناك أربعة آلاف طبيب، بلا عمل، وان هناك مشاكل في الحصول على تخصصات طبية معينة، بسبب الكلف المالية، والوقت، لا تستطيع الا ان تحض الآخرين، على تغيير نظرتهم الى التعليم، لكن الكل يجيبك ان هذه رغبة شخصية، وان ليس من حقك ان تفرض رؤيتك، هذا على الرغم من ان كل النقابات في الأردن تعلن عن عدد المنتسبين، وعدد العاطلين، وهم بمئات الآلاف من كل التخصصات، من الطب الى الهندسة.
نحن مجتمع صعب، نقاوم التغيير، ونخشى النظرة الاجتماعية، ونحب الألقاب المرتبطة بالتخصص، ونميل الى التفاخر، حتى لو لم يكن هذا التفاخر منتجا، وكان دليلا على لا شيء.
علينا اذا في هذه الحالة ان نقر ونعترف، في ظل البطالة، اننا امام تغيرات كبرى، وان التخصص لا يعني العمل فيه، وان ما نراه الآن، من عمل كثيرين في غير تخصصاتهم، هذا اذا وجدوا فرصة عمل، بات امرا واقعيا، سوف تتمدد مظاهره، بسبب الأوضاع الاقتصادية، واشباع العالم العربي، بكل التخصصات، حيث عدد الخريجين كبير، ولا فرص لهم.
في دول الخليج العربي، فالذي يحمل تخصصا معينا، يتم الميل الى تعيين الكفاءة الآسيوية بكلفة اقل بكثير من الأردني او العربي، اذا كان التخصص يقبل الاستبدال، مثل الممرض، او غير ذلك، اما المهن التي بحاجة الى عرب، فإن هناك كفاءات عربية مثل المصرية والسورية والسودانية، وهي تقبل بأجور اقل من الأردني، ونحن هنا نتحدث عن الكفاءات المتخصصة، اما العمالة والشغيلة، فمن المعروف ان الأردني لا ينافس هنا، وان البدلاء يتوفرون من آسيا.
هذا مجرد نموذج على التحولات في سوق العمل، وهذا يعني من جهة ثانية، ان كثرة الخريجين في الأردن، ستؤدي الى خفض الأجور، بسبب المنافسة، وكثرة الكفاءات المتوفرة، على افتراض ان الفرص متوفرة، وان السوق يقبل كل هذه الاعداد من الخريجين كل أربعة اشهر جامعية.
الحلول المتاحة محدودة، اما انعاش القطاع الخاص، من اجل استيعاب كل هذه الاعداد، وهذا امر ليس مضمونا ولا ممكنا، واما تغيير سياسات التعليم والقبول واغلاق عشرات التخصصات لسنوات، وفتح تخصصات جديدة، خصوصا، على صعيد التخصصات غير الإنسانية، أي تخصصات التقنيات، والذكاء الاصطناعي، وغير ذلك وهي قطاعات المستقبل التي لا بد ان يستثمر بها القطاع الخاص، على مستوى التعليم الجديد، او ان نقر مجددا كما اسلفت بكون التخصص غير مرتبط بالوظيفة، فقد تدرس الكيمياء وتعمل في قيادة شاحنة، او تدرس الطب العام، ولا تتمكن من التخصص، او تدرس العلوم السياسية وتجلس عاطلا.
هذا الوضع يؤدي الى مس معنويات الطلبة، لكن لماذا لا نتعلم من المؤشرات التي امامنا، ونعالج الخلل على مستوى الافراد والعائلات الاسيرة للأسف للنظرة الاجتماعية بكون التعليم المتوسط، او المهني يمس سمعة الابن او الابنة، هذا على الرغم من ان الغرب كله، بدأ يتجه الى التعليم الأقل من الدبلوم، والمراهنة على اكتساب الخبرة في قطاع محدد، بديلا عن البكالوريوس، الذي يتسبب بأزمات مديونية حادة بعشرات الاف الدولارات لكل طالب في بريطانيا، او اميركا، مثلما هو الحال هنا، حين تستدين العائلات عشرات الآلاف لتعليم طالب.
كل شيء يتغير، وعلينا ان نتغير، سواء رضينا بهذا الحال، او لم نرض، وبدون ذلك سوف يتخرج كل أربعة اشهر، الآلاف من الطلبة، ومستقبلهم واضح، ليس في الأردن وحسب، كون هذه الازمة باتت عربية وعالمية، حين يفيض عدد الخريجين، عن حاجات أي بلد، وحين تقف الحكومات عاجزة، والقطاع الخاص مكبلا، بلا حلول، يفترضها الذين ينتظرون فرصة عمل.