عمال الأردن ليسوا بخير

من سيقول لي إن عمال الأردن بخير، فهو واهم، فقد باتت حالهم أكثر صعوبة، ووضعهم المعيشي أكثر ضنكا، وتكاليف حياتهم أكثر شقاء، ومصاريفهم أكثر ارتفاعا، والغلاء أكثر حدة، والرواتب أقل قيمة شرائية.اضافة اعلان
بصراحة، عمالنا ليسوا بخير، فالشقاء على جباههم أكثر وضوحا، والتعب على أيديهم أكثر تشققا، وجيوبهم أوسع فراغا، وأموالهم ادنى قيمة، وعلاجهم أكثر تكلفة، وماؤهم أغلى ثمنا، وكهرباؤهم مرتفعة أسعارها، ومواصلاتهم أكثر تهالكا، وغذاؤهم أغلى وأقل جودة، وتدريس أبنائهم أكثر صعوبة، ووقودهم أعلى سعرا يوما بعد يوم، وبعد كل ذاك لا أجرؤ أن أقول إن عمالنا بخير.
عمالنا يعانون منافسين وافدين من شتى البقاع، يعانون تضخما يرتفع يوما بعد يوم، واستقرارا في الرواتب، يعانون تهرب أصحاب عمل من "الضمان"، وساعات عمل بلا فترة غذاء، يعانون حر الصيف بلا بيئة عمل صحية، وبردا قارسا في الشتاء، من دون وجود وسائل تدفئة، يعانون تدني إمكانيات الشركات والمصانع والمحال، يقابلها مطالبات مستمرة لهم بالإبداع والتألق من دون حوافز ومكافآت.
إذا كانت القصة قول شعر ومدح بحضرة أصحاب الجباه السمر والهمم العالية في يوم العمال العالمي، الذي نحتفل به كل عام في الأول من أيار (مايو) بمعية دول العالم، لتحفيز العمال على العمل، فإن باب الشعر بحقهم مفتوح لا ينتهي، وفي الجعبة الكثير مما يمكن أن يقال بحق الكادحين القابضين على جمر الصبر، ولكن كيل كلام المديح والحث على العمل واستذكار منجزات، والتذكير بحوافز تحققت، فإن ذلك لن يقدم ولن يؤخر قيد أنملة لأولئك الكادحين والحراثين والمزارعين العاملين أكثر من ساعات عملهم المقررة، لسد رمق أطفالهم وتأمين حياة كريمة لعوائلهم.
إذ يكفي أن نستذكر أن سواد عمالنا تطحنهم لقمة العيش في أغلى عاصمة في الشرق الأوسط، فهذا بحد ذاته كفيل بالدولة لكي تعيد النظر بكل ما يتعلق بالعمال من حيث التشريعات والأنظمة والقوانين، والحدود الدنيا للرواتب، وإشراكهم إجباريا في الضمان الاجتماعي من دون التفاف من صاحب العمل على هذا الحق، وتفعيل تأمين صحي مجاني لهم ولعوائلهم، ومنحهم الحق في تعليم مجاني لأبنائهم، لكي يتمكنوا من مواجهة وحش الغلاء الذي نخر منهم الجيوب، وأثقل منهم النفس، ووضعهم على مقصلة السعي الدائم والحقيق للعمل أكثر من 12 ساعة في اليوم من دون جدوى.
عمالنا لا يريدون شعارات يسمعونها في كل احتفال بمناسبة يومهم الذي باتوا لا يعطلون فيه ولا يستريحون. ولكنهم اليوم أكثر حاجة لمعالجة اختلالات التضخم، التي تعتري الاقتصاد، وارتفاع عجز الموازنة الذي بات يصيبهم في مقتل، بسبب ما سيجلبه ذاك من ارتفاعات متوالية للأسعار وتدني قوتهم الشرائية، وثبات الرواتب.
القصة ليست في احتفال يتسنم فيه مسؤولون منبر الخطابة، ومن ثم يمضي كل حي إلى حيه من دون نتيجة ترجى ومن دون فعل واضح ومن دون قرارات جادة ترفع من شان العامل وتقوي حضوره وتمنحه قوة وإصرارا وعزيمة لمواصلة العمل، وتشعره بأنه فعلا وليس قولا احد الأركان المهمة في عملية الإنتاج، وبالفعل وليس بالقول يجري التفكير به وبواقعه المعاش كما يجري التفكير بأصحاب العمل أيضا. 
وكما قال السيد المسيح عليه السلام، الذي نحتفل بذكرى عيد الفصح المجيد بالتزامن مع الاحتفالات بعيد العمال، انه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، فإننا أكثر قناعة وإيمانا بان يتم النظر للعمال من منظور مختلف، والتعامل مع رواتبهم وأجورهم وفق معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، وان يتم إعادة النظر في منظومة القوانين بحيث نمنح العامل مزيدا من الكرامة والعنفوان والقوة في العمل.
ورغم مرارة ما قيل، فان من الواجب أن نقول لأولئك الكادحين الصابرين في المدن والبوادي والقرى والمخيمات كل عام وانتم بألف خير، ولعل القادم يكون أفضل.