عندما تتعسف المدرسة الخاصة!

على مدار الأشهر القليلة الماضية، تحدثت مع أسر كثيرة تعتمد التعليم الخاص لأبنائها، تناقشنا حول التعليم الذي قدمته تلك المدارس خلال فترة الحجر؛ حول نوعية الدروس وجودتها، ومدى تفاعلها مع متطلبات كل مرحلة دراسية، والخدمات التي قدمتها، وأيضا حول مدى موضوعية تشبثها باستيفاء أقساطها العالية، والتي لم يكن بعضها موضوعيا حتى في زمن الدراسة عن قرب.اضافة اعلان
خلال سنوات طويلة، ظلت أقساط المدارس الخاصة مثار جدل كبير في الشارع الأردني، إذ لم تتوفر معايير حقيقية تحدد لماذا تكون الرسوم على ما هي عليه في مدرسة معينة، بينما تختلف عنها في مدرسة أخرى.
وزارة التربية والتعليم أعلنت قبل سنوات بأنها تعمل على إعداد تصنيف عادل للمدارس الخاصة، وبأن ذلك هو أقصى ما يمكن أن تقدمه الوزارة بهذا الخصوص كونها لا تملك أي سند قانوني يخولها التدخل في تحديد أقساط المدارس، هذا التصنيف لم ير النور رغم سنوات طويلة منذ الإعلان عن نية إصداره. كثيرون يتحدثون عن “لوبيات” تعمل بجهد كبير من أجل وضع “فيتو” أمام ظهور مثل هذا التصنيف، ما الذي يمكن أن نفهمه من كل هذا؟
بالتأكيد، سنختار أن نؤجل كل حديث في هذا الأمر، فالرضوخ إلى فكرة أن ثمة من يتآمر علينا وعلى أبنائنا هو أمر غاية في القسوة، وسوف تغيب فيه أي أطر للمواطنة والعدالة والشعور بالأمن.
كما قلت سنختار أن نؤجل أي إطلاق للأحكام في هذا الموضوع. لكن، وفي قضية منظورة اليوم أمامنا وتمتلك عدالتها وموضوعيتها الكاملة، إلا أنها لا تمتلك محامين وقضاة لمصلحتها، وهي تحديد الأجر العادل للمدارس الخاصة عن جهدها في عملية التعليم عن بعد خلال فصل كامل وفرت فيه نفقات كبيرة، واستطاعت خلاله أن تعمل بالحد الأدنى من الكلف التشغيلية، بينما تطالب الأهالي اليوم بكامل الأقساط!
في كثير من القطاعات هناك دائما مرجعية أساسية في تحديد الأجور حتى في محلات بيع الملابس أو المخللات وصولا إلى الأحذية، فثمة مرجعية تحدد المقابل العادل للخدمة أو السلعة وسعرها، أفلا يفترض إذن أن تتوفر جهة مرجعية تحدد ما يتوجب دفعه مقابل خدمة تقدم لأكثر من 550 ألف طالب، أي ما يقارب 250 ألف أسرة؟ ألا يتوجب بأن تتوفر جهة رقابية لأكثر من 3200 مدرسة خاصة، تحدد لهم معايير تقديم الخدمة وسعرها العادل؟
اليوم تصر الحكومة على أن المدارس الخاصة هي من القطاعات الأكثر تضررا، ورغم تحفظنا الشديد على هذا الأمر، إلا أننا ننصاع لأوامر الدفاع التي تنظم هذه الأمور، غير أننا لا بد لنا أن نسأل: لماذا؟
المدارس الخاصة وفرت كثيرا في الكلف التشغيلية ولم تتنازل حتى اللحظة عن استيفاء كامل أقساطها، والمشكلة الأكبر بأن كثيرا منها تعلن اليوم زيادة غير مبررة في أقساطها السنوية للعام الجديد. حسنا، يحق لها ذلك ما دامت خارج سياق الرقابة، لكن ما هي حقوق الطلبة وأولياء أمورهم، ومن يضمن لهم هذه الحقوق؟
لقد نظمت أوامر الدفاع العلاقات التي تأثرت بأزمة كورونا بين المتعاقدين في قطاعات مختلفة، وتدخلت المؤسسات الرسمية لضبط الأسعار ومكافحة جشع “التجار” ومقدمي سلع وخدمات لا يمكن اعتبار التعليم أقل أهمية أو تأثيرا منها، لكن الحكومة رفعت يدها بشكل كامل عن التدخل في العلاقة بين المدرسة وولي أمر الطالب، وتركت للمدارس حرية تقييم جودة خدماتها بما فيها تلك المقدمة خلال التعليم عن بعد.
حتى اليوم، هناك آلاف الأسر لم تدفع كامل أقساط العام الماضي، كثيرون منهم غير قادرين على السداد بسبب تأثر أعمالهم ودخولهم بتبعات الأزمة، وآخرون مقتنعون بعدم أحقية المدارس باستيفاء كامل الرسوم دون أي خصم يعادل ولو جزءا من الخدمات التي لم يحصل عليها أبناؤهم نتيجة الإغلاق.
الغالبية العظمى من تلك الأسر لم تذهب إلى التعليم الخاص ترفا، وإنما طلبا لتعليم جيد لأبنائها في ظل تردي حال التعليم العام. هؤلاء يبحثون اليوم عن ملجأ يوفر لهم الحماية من تغول مدارس خاصة.. لكنهم يعودون بخفي حنين، وقد جاءت الإجابة عن أسئلتهم الكثيرة واحدة: أن اذهبوا أنتم وربكم فقاتلوا!