عندما تخرس تغريدات ترامب!

رغم اشتهاره بإطلاق التغريدات والتصريحات، ومن خلالها الشتائم والتهديدات، على مدار الساعة و"على الفاضي والمليان"، كان لافتا غياب أي موقف أو تصريح للرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه أزمة احتجاز ايران ناقلة نفط بريطانية بالخليج العربي منذ نحو ثلاثة أيام، ردا على احتجاز البريطانيين لناقلة نفط ايرانية بمضيق جبل طارق، فيما بات يوصف بحرب الناقلات ضمن تصعيد الولايات المتحدة وحلفائها ضد ايران. اضافة اعلان
هذا الغياب لموقف واضح وصريح لترامب تجاه الخطوة الايرانية التصعيدية، لا يمكن فصله عن سياق تجربته السابقة وما آلت إليه تهديداته الجوفاء ضد ايران قبل اسابيع على خلفية اسقاط الأخيرة لطائرة استطلاع أميركية، حيث أوقف ترامب العالم على قدميه بالتهديد المباشر بخيار الحرب ضد إيران قبل أن يتراجع صاغرا أمام حسابات الواقع وأمام الكلفة الباهظة التي ستدفع أميركيا ومن مصالح الحلفاء في حال الاعتداء العسكري؛ المحدود أو الشامل، على ايران!
الواضح اليوم أن معادلة الصراع بين الولايات المتحدة وإيران قد ترسمت شروطها إلى حد كبير، فهي معادلة من الصعب جدا بل وشبه المستحيل أن تتوج باصطدام عسكري مباشر وشامل مع إيران على غرار التجربة العراقية، فكلفة ذلك كبيرة على الولايات المتحدة وعلى العالم في ظل ما تتمتع به ايران من قوة استراتيجية ومن إرادة وطنية صلبة وامتلاكها لأدوات وعناصر قوة وتأثير كبيرة يمكن أن تخلط أوراق الاقليم كله وأن تضر جديا بمصالح أميركا وحلفائها بالمنطقة.
أوراق الضغط والتأثير بيد الإدارة الأميركية في الصراع الاستراتيجي مع ايران تنحصر وفق كل المعطيات بتشديد الحصار الاقتصادي على ايران ومحاولة عزلها سياسيا أولا، وثانيا السعي الأميركي إلى تشديد الخناق وضرب حلفاء ايران في أطراف الاقليم بعيدا عن الصدام العسكري المباشر معها، والمقصود هنا النفوذ الايراني في سورية ولبنان والعراق واليمن وحتى في قطاع غزة، وهذه الثانية لا تبدو سهلة أيضا في ظل ما يملكه حلفاء ايران من عناصر قوة وتاثير وردع لا يمكن الاستهانة بها.
تقابل أوراق الضغط للولايات المتحدة في هذه المعادلة أوراق قوة وضغط ايرانية عديدة واستراتيجية تجعل منها ندا لا يستهان به أميركيا ويحسب له ألف حساب، فإيران دولة كبيرة جغرافيا وسكانيا وموارد وقدرات عسكرية والأهم تميزها بجبهة داخلية صلبة ومتماسكة رغم كل الحديث و"الأمنيات" عن تفسخ هذه الجبهة. كذلك؛ فإن ايران بموقعها الجيوسياسي قادرة على رفع كلفة عدم الاستقرار بالخليج العربي على العالم كله الذي يعتمد بصورة اساسية على نفط هذه المنطقة.
وتمتلك إيران أيضا، ضمن أوراق القوة، نفوذا وتحالفا مع قوى محلية مؤثرة وصلبة، كالمقاومة اللبنانية والفلسطينية بغزة والحوثيين باليمن ومثلهم في العراق، ناهيك عن سورية، ما يعكس قوة استراتيجية كامنة لا يستهان بها بحسابات الصراع والأزمات الدولية.
ولا يمكن اعتبار قرار إرسال قوات أميركية إلى السعودية مؤشرا على استعداد لصدام عسكري مباشر، محدود أو شامل، مع إيران وفق المعطيات المتوفرة، والتحليلات تذهب إلى انها تهدف فقط إلى تعزيز قدرة السعوديين على التصدي للاخطار التي تشكلها استهدافات الحوثيين للعمق السعودي ولاحتمالات تطور هذه الاستهدافات.
مآلات سياسة حافة الهاوية التي انتهجتها إدارة ترامب الهوجاء مع إيران، منذ قرارها بالانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران مرورا بالتراجع عن التهديدات بالحرب بعد حادثة اسقاط طائرة الاستطلاع الأميركية ووصولا إلى قضية الناقلات اليوم، كلها تشير إلى فشل أميركي كبير وواضح بكسر إرادة ايران وانحسار الخيارات الأميركية إلى أدنى الحدود وبما يصب بالمحصلة في مصلحة ايران على المدى البعيد، وايضا بمصلحة أقطاب آخرين في الحلبة الدولية ممن يرقبون باستمتاع احتراق أهداب ثوب الهيبة الأميركية على ضفاف الخليج العربي!