عندما تخطئ الصحافة

"من يعمل يخطئ، ومن لا يعمل لن يخطئ" حكمة بشرية تنطبق على مختلف المجالات والمهن، ما دام أن من يمارس العمل هم بشر، ذوو طاقات وإمكانات متباينة، ويعملون بظروف عديدة قد تؤدي بالشخص إلى الخطأ هنا أو هناك. هذه القاعدة تنطبق أيضا على العمل الصحفي والنشر الصحفي، لكنها بلا شك تكون في هذا المجال أكثر بروزا وظهورا، وقد تكون تداعياتها أكثر خطورة وحساسية في بعض الأحيان.اضافة اعلان
مناسبة هذا الحديث البدهي، كما أعتقد، هو ما تسبب به خبر مزعوم، وتبين خطؤه لاحقا، أول من امس، عندما سارعت بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية إلى نشر خبر حول وفاة مجموعة من المعتمرين الأردنيين وإصابة آخرين، بحادث سير مروع بالسعودية، وهو خبر تداولته سريعا مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن يظهر أن الخبر غير صحيح، وأن لا معتمرين أردنيين بالحادث المذكور.
يمكن، طبعا، تصور الأضرار النفسية وغير النفسية، التي تسبب بها نشر هذا الخبر لدى كل عائلة أردنية، لديها معتمر في السعودية حاليا، ناهيك طبعا عن الأضرار العامة التي تمسّ سمعة الصحافة والعمل الصحفي، والثقة الشعبية بها.
في كثير من الأحيان لا يجلب الخطأ في النشر الصحفي سوى أضرار بسيطة، قد لا تذكر، بل ويمكن تداركها بنشر توضيح أو تنويه لاحق، سواء من قبل المتضرر المعني أو من قبل وسيلة الإعلام ذاتها، فيما يكون مطلوبا من الوسيلة الإعلامية عند ارتكاب بعض الأخطاء التي تكون لها آثار كبيرة تقديم اعتذار رسمي، وأحيانا القبول بجرها إلى القضاء من قبل المتضرر لإنصافه قانونيا.
إلا أن خطأ، كما هو الخطأ في خبر وفاة المعتمرين، يجب أن يتم التوقف عنده مليا من قبل الأوساط الإعلامية والصحفية، وقبل أن تتدخل أي جهات أخرى، فمثل هذه الأخطاء قد تستغل أحيانا، من بعض الأطراف الرسمية لتمرير تعديلات تشريعية أو إدارية تقيد حرية الصحافة، "ويضيع الصالح بعروة الطالح".
ثمة تقاليد وأعراف صحفية ومهنية يفترض بها أنها راسخة وواضحة لدى غرف التحرير والصحفيين، خاصة في القضايا التي لها أبعاد اجتماعية ونفسية وإنسانية، وهي أعراف ترسم ذاتيا حدود النشر وطبيعته في مثل هذه الأخبار، التي تتحدث عن ضحايا، سواء في حوادث أو جرائم او غيرها.
لا يمكن، أخلاقيا ومهنيا حتى لو سمح القانون، نشر صور ضحايا وقتلى في كل الأحوال والظروف، وحتى لو نشرت صور ضحايا لاعتبارات مهمة مثلا، فيجب أن تراعى فيها شروط عديدة، وأن تخضع لبعض المعالجات الفنية، بما يحترم كرامة الموتى ومشاعر أهاليهم. كما لا يمكن، ولا يجوز بحسب مثل هذه التقاليد الصحفية المهنية، نشر أسماء قتلى او شهداء قبل إعلانها من الجهات الرسمية، وبعد أن تكون هذه الجهات قد أبلغت رسميا أسر الضحايا بالخبر.
وفي قصة خبر وفاة المعتمرين، الذي تبين لاحقا خطؤه، فلا يمكن النشر لمثل هذا الخبر بما تضمنه من كارثة إنسانية بوفاة معتمرين، قبل التأكد رسميا، سواء من جهة رسمية مخولة، او من خلال التوثق من أكثر من مصدر، ثم إن توقيت النشر يخضع لتقييم حقيقي يراعي أبعاده كاملة.
لا أحد يتوقع أن تتوقف الأخطاء في النشر الصحفي، سواء أردنيا أو على مستوى العالم، لكن المطلوب منا كإعلاميين، هو الاحتكام لتقاليد ومعايير صحفية ومهنية وأخلاقية صارمة، تمنع الوقوع في أخطاء قاتلة، كما في خبر المعتمرين، فيما تقلل من حدوث الأخطاء الأبسط إلى مساحات ضيقة.