كيف يمكن أن تتوافق حركتا “فتح” و”حماس” الفلسطينيتان على ميثاق أو برنامج عمل جديد لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهما لم تتوصلا إلى ميثاق جديد داخلي لهما، رغم اعترافهما العلني بسقوط وعدم إيمانهما بأنظمتهما الأساسية أو الميثاق الداخلي للحركة؟ هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ التوصل لتفاهمات أو مواثيق ليس معجزة، وخير دليل وثيقة الأسرى، العام 2006، التي شكلت قاسما مشتركا لبرنامج وطني، لم يستطع “الأحرار” خارج الأسر الالتزام به، بسبب “قيود” أخرى، منها التنافس على السلطة.
ما دعاني إلى كتابة هذا المقال مقابلة تلفزيونية حديثة مع ناصر الشاعر، القيادي في “حماس”، يؤكد فيها أنّ من يطبع ميثاق “حماس” ويوزعه هو “إسرائيل”. والشاعر هو أستاذ في جامعة النجاح، ونائب رئيس الوزراء في حكومة سابقة لحركة “حماس”. وقد أجرى المقابلة د. أمجد أبو العز من جامعة النجاح، وبثت على فضائية “النجاح” أيضاً.
في المقابلة يقول الشاعر، وهو أستاذ وعميد سابق لكلية الشريعة: “إن واحدة من النكات أنّ الناس يظنون أن “حماس” حركة دينية”. ويوضح؛ هي “حركة سياسية تحررية”، و”يمكن أن تضم الإسلامي والمسيحي، وأن تتحالف مع اليسار”، وغيره.
بغض النظر عن أن هذا يتناقض مع تصريحات قياديين آخرين في حركة “حماس”، وأنّ هذا موقف علماني واضح للغاية، ولا يتناقض مع العلمانية التي صورها خطاب الإسلام السياسي على أنها كفر، بل يعتبر هذا التعريف تعريفا علمانيا متقدما؛ بغض النظر عن كل هذه الجوانب، فإنّ ما يقوله الشاعر هو أنّ ميثاق “حماس” يضرها. فهو يقول إن الحركة “لم تتحدث عن الميثاق سوى في فترة الانتفاضة الأولى”. وقال: “أتحدى إن كانت “حماس” تحدثت عن الميثاق بعد العام 1990″، وقال هو خطاب وتوجيهات دينية، وليس ميثاقا سياسيا. وقال كذلك إنّ الحركة “توقفت عن طباعة الميثاق، والذي يطبع الميثاق، بكل لغات العالم، هو إسرائيل”، وذلك “بغرض التحريض على “حماس””.
كلمات الشاعر ليست موقفا جديدا، ولكن أسلوبه مباشر جداً. فمنذ سنوات، قال قائد “حماس”، خالد مشعل، إنّ ميثاق الحركة “أصبح من التاريخ”. وفي العام 2014، كتب القيادي في الحركة، أحمد يوسف، في “الغارديان” أنّ “الميثاق نُسي منذ زمن طويل”. كذلك، فإنّ أي بحث بسيط باللغة الإنجليزية، سيجد فعلا أن الإسرائيليين هم تقريباً فقط من يتحدث عن ميثاق “حماس”.
الإشكالية الحقيقية التي تكشفها كلمات الشاعر، هي أنّ الميثاق توقف العام 1990، وأنّ هناك من يرى في “حماس” حركة سياسية تقبل المسلم وغير المسلم، وتتحالف مع الماركسي وغيره، من دون أن تتبلور لديها مواثيق جديدة، معلنة، أو تصورات سياسية وفكرية محددة.
وهذا شبيه تماماً بإعلان منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة “فتح”، أنّ ميثاق المنظمة (فضلا عن النظام الأساسي لحركة “فتح”) لم يعد يعبر عن موقفها السياسي الفلسطيني. ولكنها رغم الإعلان رسميا، لم تستطع أن تطور مواثيق أو برامج جديد.
واقع أحزاب اليسار، التي كانت تزعم تاريخياً أنها الأقدر على التفكير وطرح الرؤى السياسية المتطورة والمعقدة، مشابه؛ فهذه الأحزاب لم تطرح بديلا لسقوط أيديولوجيتها سياسياً منذ التسعينيات.
إذا كانت الحركتان (“حماس” و”فتح”) و”اليسار”، لا يستطيعون بلورة مواثيق داخلية، أو برامج ذات معنى، يوجهونها لأنصارهم أولا، ويضعونها موضع التطبيق ثانيا، ويشنون عبرها “هجوما”، فكريا وإعلاميا وسياسيا، عالمياً ضد الاحتلال، فكيف يمكن توقع أن يتوصلوا لقناعة وبرامج مشتركة؟
ربما هناك سيناريو آخر يخطر على البال، وهو أنّه لو توصلت الفصائل لبرنامج موحد، لاضطرت أن تتبناه ويصبح هو وثيقتها الفصائلية. ولكن هذا سيسحب من أيدي قياديين في هذه الحركات أوراقا تحرص عليها، وبنت خطابها وشعبيتها عليها، وهي مهاجمة الفصائل الأخرى، ومهاجمة سياساتها وأفكارها، وكشف سوءاتها، للهرب من العجز عن تحقيق نتائج ملموسة في المشروع الوطني القائم على تحرير الأرض والإنسان.
في الواقع، يمكن للفصائل أن تزعم أنها الأقدر على تحقيق البرنامج الوطني الموحد، لو تم التوصل إليه. ولكن ليتم التوصل إلى مثل هذا الميثاق، لا بد من ضغط شديد من المجتمع الفلسطيني ونخبه وقطاعاته الشبابية، على الفصائل، لتدرك أنّ التمسك بخطاب مهاجمة الآخر الفلسطيني لم يعد أمرا مجديا.