عندما يبكي الأبطال

محمد الشواهين

يبث التلفزيون الأردني مشكورا، بين فينة اخرى، لقاءات مع ضباط وضباط صف وافراد من الجيش العربي الأردني، الذين ساهموا في معارك فلسطين عامة، والقتال المستميت على ارض القدس على وجه الخصوص، من هؤلاء المتحدثين الدكتور غازي ربابعة، كان احد ضباط الجيش العربي في القدس قبل واثناء حرب حزيران العام 1967.اضافة اعلان
وثمة غيره من تحدث عن معارك 1948، اذ ان الكثير من شبابنا، يجهل هذه البطولات الجماعية أو الفردية، ولا بد من الاشارة الى ان الضباط الانجليز في حرب العام 1948، كانوا هم المسيطرين على قيادة الجيش، وعلى رأسهم الضابط كلوب.
كان الضباط قادة الألوية والكتائب الانجليز، في كثير من الأحيان يتلكؤون في تنفيذ الأوامر الواردة إليهم، ما دفع بعض الضباط الأردنيين، الذين هم بطبيعة الحال، اقل رُتبة من قادتهم الانجليز، إلى أن يأخذوا على عاتقهم الاشتباك مع افراد العصابات الصهيونية، التي كانت تشن هجماتها المسعورة، على القدس من عدة محاور، وكانت تمتلك اسلحة ومعدات، تتفوق على تلك التي مع الجيش العربي بكثير، بيد ان شجاعة الضباط وضباط الصف والجنود العرب، كانت في كثير من الأحيان تصد عصابات بني صهيون، وتردهم على اعقابهم. ردة فعل الضباط الانجليز، تراوحت بين التقريع والمحاكمة، والأسوأ من ذلك، ابعاد بعض الضباط عن مواقع التماس، واعادتهم الى معسكرات الضفة الشرقية.
 التاريخ شهد ان هؤلاء الابطال حافظوا على القدس الشرقية، والمقدسات الاسلامية والمسيحية، بالدم والنار ومواقفهم البطولية، وسوف تبقى حديث الأجيال، الى ما شاء الله، فالدماء الزكية الطاهرة التي روت ارض القدس الشريف، في باب الواد والشيخ جراح ووادي الجوز واسوار المدينة القديمة ومحيطها، سوف تظل شاهدة على شجاعة هؤلاء الابطال، الذين وصلت بهم الأمور، ان يشتبكوا مع العدو بالسلاح الأبيض، وبالأيدي، واستطاعوا ان يلقنوا عدوهم دروسا في الشجاعة والاقدام.
اعود الى الفكرة الاساسية في المقال، فبينما كان يتحدث الضابط (سابقا) غازي ربابعة، اليوم هو أستاذ جامعي، من ضمن ما رواه عن حرب العام 1967، كان ما يزال ضابطا في ريعان الشباب،  قائدا لسرية عسكرية، قرب ما كانت تسمى ببوابة مندلوم، يومها، حاولت قوة اسرائيلية، مدججة بالسلاح الحديث، التقدم باتجاه الشيخ جراح، واختراق الدفاعات والكمائن الاردنية، الا ان هذا البطل ورفاقه، تصدوا لهم بقوة وبشجاعة مرات ومرات، ليلا ونهارا، وافشلوا تقدم العدو، لكن الكثرة غلبت الشجاعة، العدو قام هذه المرة بالتقدم بآليات ثقيلة ومدرعة وباعداد كبيرة من المشاة، يتحصنون خلف هذه الآليات، فقام هذا الضابط الفذ، وامر بانسحاب افراد سريته، الى موقع آخر، حيث  قاتلوا عدوهم ببسالة ولثلاثة ايام متتالية، فاستشهد عدد منهم، وظلوا صامدين في مواقعهم حتى نالوا الشهادة.
واثتاء حديث الدكتور غازي، كانت دموعه تتساقط، حزنا على القدس، وحزنا على رفاقه الأشاوس الذين التحقوا بمواكب الشهداء، وكذلك على الكرم الأصيل الذي لقيه من ابناء وبنات مدينة القدس، الذين كانوا يمدونهم بالطعام والشراب طيلة ايام المعركة، ويذكرهم بالاسم.
دموع الدكتور غازي ابن محافظة اربد، ابن سهل حوران الأشم، غالية على كل عربي حر، تثمّن عاليا شرف الشهادة، وشرف الذود عن القدس، وعن العروبة.