عندما يصبح "كل الأردنيين عشيرتك"

إطلالة الرزاز في المؤتمر الصحفي رفعت مؤشر الثقة، لكن لأيام معدودة؛ فالحكومة تحتاج كل أسبوع إلى قرارات إيجابية جديدة تكون بمثابة جرعات معززة كما حدث مع إلغاء بند فرق تسعيرة الكهرباء والخفض الجمركي لسيارات الهايبرد والتحويل التلقائي لمركز الحسين للسرطان، وذلك لحين التقدم ببرنامج شامل للتغيير عبر بيان الثقة للحكومة الذي سيعرض على الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، وفي تلك المناسبة يجب أن يقدم الرئيس رؤية شاملة للإصلاح وتغيير النهج وربما عرض ركائز مشروع "العقد الاجتماعي الجديد" ويجب الاهتمام بإزالة الإبهام أو سوء التفسير الذي أشاعته قوى محافظة عن هذا المشروع وتبديد الشكوك في الوسط العشائري وفي المحافظات أن ثمة ما يحاك ضدهم بما في ذلك الربط الاعتباطي مع مشروع صفقة القرن والظنون القوية بأن الأردن سيكون جزءا منها ومن الأجندة الخفية لترتيباتها الإقليمية.اضافة اعلان
نحن نشك أن لصفقة القرن المدعاة أي فرصة في النجاح، وتصريحات جلالة الملك لا تتزحزح قيد أنملة عن شروط الحل العادل. ولا توجد قيادة فلسطينية يمكن أن توقع على التنازلات الفادحة التي تتضمنها الصفقة التي تعني الموافقة على الأمر الواقع القائم الآن مع "مقبلات اقتصادية" بالشراكة مع دول عربية. ومع ذلك يجب أن يكون واضحا أن "تغيير النهج" ومشروع الإصلاح المؤسسي عندنا هو الذي يحقق منعة الأردن وقدرته على الصمود في وجه الضغوط، ولعل بعض القوى التي تقاوم الإصلاح خوفا على مصالحها وغيرها المسكونة بنظرية المؤامرة والمخاوف الموهومة قد تستمر بالربط بين أي مشروع إصلاحي والتصفية السياسية للقضية الفلسطينية على حساب الأردن. ومن واجب القوى الوطنية والإصلاحية أن توضح العكس؛ إن ضرب الفساد وتقليص الهدر والامتيازات وزيادة الاعتماد على الذات وتعزيز الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وإحساس الناس بشراكتهم الأكيدة في القرار الوطني ومسؤوليتهم عن مستقبلهم هي الضمانة لحماية الأردن ومستقبله وقراره الوطني المستقل.
الأردنيون، ببساطة، يريدون من الرئيس أن يكون وفيا لمطالب "الثلاثين من أيار" التي أتت به الى الدوار الرابع وهم في حالة متأرجحة بين الثقة وعدم الثقة بالرئيس. لديهم فكرة طيبة عنه لكن لا يثقون بقدرته على تغيير النهج وكل قرار إيجابي تأخذه الحكومة يصب في صالح تعزيز الثقة، لكن على الطريق تظهر قرارات أخرى (خذ مثلا مجالس أمناء الجامعات) تعطي الانطباع باستمرار النهج القديم ويجب أن لا يفقد الرئيس الحساسية تجاه الرأي العام، فهو بوصلته التي لا تخيب.
من المهم كسب معركة الثقة مع الرأي العام قبل كسبها مع النواب، وسيكون للمناخ العام تأثير على قرار النواب رغم الانطباع السائد بأن النواب "يكوعون" تحت الضغط في نهاية المطاف. لكن ليس من مصلحة الحكومة أبدا وليست بداية جيدة أن تأخذ الحكومة الثقة بهذه الطريقة كما حصل مع حكومة الملقي. فهذه الحكومة تطرح التغيير ويجب أن يكون صوت النواب صدى لصوت الشارع وثقتهم صدى لثقة الجمهور. ولنأخذ مثالا قريبا مما حدث في لقاء الرئيس المكلف مع النواب عندما غادر بعضهم الجلسة محتجا بذريعة تأخر الرئيس المكلف لبضع دقائق، وهي ذريعة لموقف مبيت ضدّ الرئيس. ألم تكن مدهشة ردّة فعل الرأي العام؟! الموقف الشعبي سحق تلك المناورة في المهد، ومن أجمل التعليقات ردا على أي محاولة للاستقواء على الرزاز تلك التي انتشرت مع صورته وتقول "كل الأردنيين عشيرتك".