عندما يعتلي ترامب منصة العالم!

 بدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو يعتلي منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة أول من أمس، يوجه التهديدات شمالا وجنوبا بخطاب سياسي تجاوز في حدته وجنونه خطابات أسلافه التي سادت أجواء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، وكأنه فيل أهوج يقتحم محلا للخزفيات والزجاج، ويترك خلفه الخراب والمذعورين. اضافة اعلان
مصطلحات "معيب" و"دول مارقة" و"أسوأ الصفقات" و"التدمير الكامل" و"الإرهاب الإسلامي المتطرف" و"الديكتاتورية الاشتراكية" أطلقها ترامب من على منصة الامم المتحدة وعلى أسماع أكثر من 150 قائد دولة حول العالم، ليخلص بكل تعالٍ وشوفينية، وإمعانا في خطابه القادم من عصر رعاة البقر وفوضى الآباء المؤسسين، للقول: "طالما أنا في هذا المنصب فسأدافع عن مصالح اميركا وأضعها قبل اي مصلحة اخرى".
لم يتردد رئيس أكبر دولة في العالم في تهديد كوريا الشمالية بـ"الدمار الكامل"، وهو تهديد كان كفيلا –لو خرج من غيره من زعماء العالم- لحملة استنكار عالمية واسعة، فيما عرج لإعادة إنتاج خطابه الانتخابي ضد الاتفاق الإيراني الغربي، وليحمل على موقعيه باعتباره "أسوأ الصفقات" و"المعيب" للولايات المتحدة، وداعيا –بصورة غير مباشرة- حلفاء بلاده في الغرب الى الغائه والعودة لقرع طبول الحرب ضد ايران.
ولم ينس الزعيم، الذي يطل لأول مرة من على منصة الجمعية العامة للامم المتحدة، رفع شعار أولوية الحرب على "الإرهاب والتطرف الاسلامي" بخطاب كراهية مقيت، سبق أن انتُقد عليه حتى من أهل بيته الاميركي ذاته، لربطه الإرهاب بدين معين وباكثر من مليار انسان يدينون بهذا الدين حول العالم، يكتوون قبل بلاده وشعبه بنيران الارهاب والتطرف، الذي ولدته سياسات واستراتيجيات دولته ودعمها اللامحدود لتصفية الحسابات مع قوى اقليمية ودولية عبر الاستثمار في الحركات الارهابية!
وربما لن يكون غريبا أن لا يصفق لترامب وخطاب الحرب الذي دشنه من على منصة الامم المتحدة، سوى الاحتلال الاسرائيلي والحركات الارهابية، حيث التقى مع الأول (اسرائيل) بدعم اجندته واولوياته العدوانية، ومع الثانية بتبرير خطابها التقسيمي والإقصائي وزعمها بانها تدافع عن الاسلام والمسلمين في وجه الغرب "الكافر"!
ولحرصه، كما يبدو، على استذكار أجواء الحرب الباردة خصص مساحة لهجومه وحربه على القيادة الفنزويلية التي وصفها بـ"الديكتاتورية الاشتراكية" باعتبارها تهدد السلم والأمن العالميين.
أما السلام، أو حتى أوهامه، فلم يكن له مكان في خطاب الحرب لترامب، فكل التحذيرات والمطالبات بضرورة الالتفات لقضية الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة في وجه اخر احتلالات العالم وأبشعها وبما يسحب فتيل عدم الاستقرار واختلال الامن في الشرق الاوسط، لم تجد أذنا صاغية لدى كبير البيت الأبيض، والذي لم يعتبر ان لها أهمية لتدرج لها بعض الفقرات في خطابه الحماسي.
كل الحديث الأميركي عن الإرهاب والتهديد للسلم العالمي يتوقف عند اسرائيل، رغم ان احتلالها وارهابها وضربها عرض الحائط بالشرعية الدولية يتفوق في خطره وتهديده حتى للمصالح الاميركية بالمنطقة والعالم على غيره من اخطار، بل ويبدو ان ترامب وإدارته اليمينية كانا حريصين على الاعلان، بالتوازي مع القاء خطاب الحرب في نيويورك، عن أنشاء قاعدة عسكرية اميركية هي الاولى من نوعها في اسرائيل، بما يعزز قوتها وعدوانها ورفضها للتنازل لصالح اي سلام او استقرار في المنطقة.
كذلك، فان حركات جسد ويديّ ترامب وهو يلقي بخطابه الناري من على منصة الامم المتحدة، كانت تعكس للمتبحر بها، وجود ازمة نفسية ما لدى هذا الزعيم الاهوج، ما ذكّر ببعض التقارير الاميركية التي تحدثت عن تحليلات نفسية لشخصية ترامب تظهر جانبا مرضيا فيها.
من يستمع لخطاب ترامب الأخير يفهم كيف غرقت إدارته في أقل من نصف عام بأعقد المشاكل والأزمات الداخلية، وهي أزمات تهدد بعدم إكمال الرجل لفترة رئاسته الأولى بحسب تحليلات داخلية عديدة. وإلى حين خروج هذا الفيل الأهوج من محل الخزفيات فإن على العالم ان يتوقع المزيد من الحرائق والحروب.. والمزيد أيضا من الكراهية والدموع.