عند التنزه.. اترك المكان كما تحب أن تراه !

جانب من نشاطات جمعية أصدقاء البحر الميت والتي تُعنى بأهمية المحافظة على المكان - (من المصدر)
جانب من نشاطات جمعية أصدقاء البحر الميت والتي تُعنى بأهمية المحافظة على المكان - (من المصدر)

تغريد السعايدة

عمان - “اترك المكان كما تحب أن تراه”.. هكذا يتمنى أبو أحمد أن يشاهد الأماكن السياحية في المنطقة التي يزورها في وادي الأغوار، والقريبة من البحر الميت، فهي أماكن سياحية بارزة عالمياً، غير أن بعض المتنزهين يأبون إلا أن يتركوا تلك الأماكن مليئة بـ”مخلفاتهم المنفرة بالبيئة” كما أسماها.
ويقول أبو أحمد إنه يتحدث بلسان الكثيرين من الزوار للأماكن السياحية، ويستغرب في الوقت ذاته بالقول إن الناس يطالبون بنظافة المكان، وقد يكونون هم ذاتهم من يتركون المكان مليئاً بالأكياس التي تسهم في وضع البيئة والمناظر الطبيعية في أسوأ صورة، وتسيء لسمعة المكان بشكل عام.
وأبو أحمد كغيره من المواطنين الذين يرغبون بالتنزه في أماكن “عامة” غير مدفوعة الأجر، ولكن على أن تتمتع بنظافة تناسب جلوس العائلات والاستمتاع بفصل الربيع، خاصة خلال هذا الفترة التي تزداد فيها نسبة السياحة الداخلية في مناطق المملكة المختلفة مثل الأغوار أو مدينة العقبة والعديد من مناطق الشمال التي تتسم بوجود الغابات والأشجار وتجلس في ظلالها العائلات، إلا أنها تصطدم بوجود “النفايات”.
وتشكو أم يزيد كذلك والتي زارت منطقة البحر الميت خلال الأسبوع الماضي، من وجود كم هائل من النفايات أسفل الأشجار التي كانت تفضل الجلوس في ظلالها في كل مرة تزور فيها منطقة الأغوار، إلا أنها تتفاجأ “ككل مرة” من وجود النفايات والأكياس، وبقايا النار والحجارة.
وتتمنى أم يزيد أن تقوم الأمهات بتشجيع أبنائهن على تنظيف الأماكن التي يزورونها في كل مرة. وتقول أم يزيد إنها بعد الانتهاء من الرحلة التي تقضيها مع عائلتها، تعمد إلى إحضار كيس كبير لتجمع فيه بقايا ما استخدموه في الرحلة، حتى ان أبناءها أصبحوا يبادرون على الفور بتنظيف المكان، حسب ما عودتهم في كل مرة.
وتقوم العديد من الجمعيات والمبادرات الفردية والمنظمة، بعمل حملات لتنظيف الأماكن السياحية بين الحين والآخر، كما في طلبة المدارس في بعض الأحيان، الذين ينظمون حملات تنظيف في العديد من الأماكن والتجمعات السياحية، أو المناطق الريفية التي يرتادها الزوار.
وتقول المعلمة في إحدى رياض الأطفال سلوى جهاد، إنها قامت قبل أيام بتنظيف المنطقة القريبة من الروضة والتي فيها العديد من الشجيرات الصغيرة التي اعتاد الزوار الجلوس بجانبها للاستمتاع بمنظر الربيع، وفي أحد الدروس حاولت أن تنمي روح المبادرة لدى الأطفال بالحفاظ على جمالية المكان، فكان أن طلبت منهم أن يقوموا بتنظيف المكان، بما يتناسب وقدراتهم، وذلك من خلال درس خاص عن فصل الربيع والاستمتاع بالمكان.
وبينت جهاد أنها حاولت أن تستغل هذا الدرس لتنمي لدى الأطفال حب الانتماء لديهم، والمحافظة على المكان.
ولكونها معلمة أطفال، فهي ترى أن هذا الموضوع يعبر عن تكوين شخصية الطفل وعائلته، وطريقة التربية لديهم، في تنمية روح الانتماء للمكان والمحافظة عليه، وأن يشعر الطفل أن المحافظة على المكان الذي يجلس فيه واجب عليه وكأنه في بيته، وأن يتركه للآخرين كما يحب أن يراه.
ومن الجمعيات الرائدة في هذا المجال؛ جمعية أصدقاء البحر الميت، التي تُعنى بأهمية المحافظة على المكان من مختلف النواحي، والحث عليه من قِبل الأعضاء المبادرين بشكل شخصي وتطوعي للعمل في هذا المجال.
ويقول رئيس الجمعية زيد السوالقة، إن الجمعية ومن خلال عملها ومتابعتها للوضع البيئي في البحر الميت، كان لها الكثير من الملاحظات في مجال المحافظة على النظافة فيه، سواء من جهة المؤسسات الحكومية أو الأهلية.
وبعد أن رأى الأعضاء وجود “تقصير نوعاً ما في هذا المجال” على الرغم من أهمية المكان السياحي عالمياً وليس فقط محلياً، تم وضع مخصصات مالية من تبرع الأعضاء أنفسهم من أجل توظيف عمال وطن للاهتمام بالنظافة في البحر الميت، وتصرف لهم رواتب محددة.
وأوضح السوالقة أن الجمعية التي تأسست في العام 2014 عمدت إلى عمل إجراءات عملية على أرض الواقع، وتركيب سلال لتجميع النفايات بما يقارب 180 سلة، والعمل حالياً على تكملة المشروع وتركيب ما لا يقل عن 500 سلة، تتوزع على مختلف مناطق البحر الميت، بالإضافة إلى زيارات متتالية من أعضاء الجمعية وتوزيع نشرات إرشادية وأكياس نفايات على العائلات لاستخدامها، كما يقوم الأعضاء المتطوعون بتنظيف الشوارع وتقليم الأشجار وتزيين مداخل المنطقة.
ولا يقتصر العمل على ذلك، بل تدرس الجمعية حاليا عمل مشروع للتخلص من الذباب في المنطقة من خلال اختراعات متاحة، يتم العمل على توفير كميات كبيرة منها، ليصار إلى توزيعها على مناطق البحر الميت.
من جانبه، قال المدير التنفيذي لشركة تطوير المناطق التنموية الأردنية/ البحر الميت وعجلون، المهندس حمزة الحاج حسن “إن الشركة تعمل على التنسيق مع الجمعية في سبيل المحافظة على نظافة البحر الميت في كل مناطقه، على الرغم من أنها ليست من صلاحيات الشركة بشكل عام، إلا أنها تدرس خيارات متاحة عدة لتقديمها لمشاريع تنموية بيئية، ويشرف عليها فيما بعد جمعية أصدقاء البحر الميت”.
وبين الحاج حسن أن الصلاحيات هي لهيئة قطاع الاستثمار، إلا أن هناك تعاونا بين الطرفين أفضى إلى أن تتكفل الشركة بموضوع نظافة المنطقة، والتعاقد مع الجمعيات والشركات المهتمة، على الرغم من الأعباء التي يمكن أن تترتب على ذلك.
وخلال الفترة الماضية، قامت الجمعية بحملة تنظيف كبيرة شملت العديد من المناطق في البحر الميت، والشواطئ العامة التي تستخدمها العائلات بشكل دائم، ولكن تعاني من إهمال وعدم نظافة مناسبة، لذلك تم التوجه للتعاون مع جهات خاصة أهلية، قامت وبكل ترحاب بالتعاون مع الجمعية بتوفير كل ما يلزم للحفاظ على نظافة المكان.
وبين السوالقة أن عددا كبيرا من الجهات الأهلية قامت بتقديم دعم مادي ومعنوي للعمل على تنظيم الحملات التي تُعنى بنظافة المكان السياحي المميز في الأردن، ومطالباً في الوقت ذاته من العائلات التي تزور المكان أن يكون هناك نوع من المسؤولية في المحافظة على المكان الذي يرغبون بالمجيء إليه بعد ذلك، أو يستخدمه غيرهم من عائلات لا تجد مقصداً سياحياً يناسبها غير تلك المناطق السياحة العامة غير مدفوعة الأجر.
ولتعزيز هذا السلوك الإيجابي في النفوس لدى الفرد، وبخاصة في مرحلة مبكرة من العمر، تعتقد الأخصائية التربوية رولا خلف، أن الأسرة والأم على وجه التحديد يجب أن تحاول دائما إشراك أبنائها في العمل الجماعي التطوعي الذي يأتي بدون مقابل، ومن ضمنها الأنشطة التي يمكن أن تحافظ على طبيعة المكان وجماليته، وهذا يسهم في تنمية القيم الأخلاقية لدى الفرد على المدى البعيد.
وتوضح أبو خلف أن إشراك الطفل في عمليات التنظيف يسهم في تعزيز هذا السلوك لديه، ويجب أن يكون دائما ومتكررا في كل الأمكنة التي يتردد عليها الطفل، والذي سيكون معتاداً على هذا التصرف ليكون سلوكا مجتمعيا في المجتمع.
وكانت جهات ناشطة وفعاليات رسمية بيئية قد عمدت خلال الفترة القليلة الماضية إلى تنظيم حملات تنظيف في محافظة عجلون بعد أن تعرضت خلال فترة التنزه فيها إلى تراكم كميات كبيرة من النفايات، والتي أدت إلى استنهاض الكوادر العاملة في المحافظة من أجل إعادة تهيئة المكان، ودعت الفعاليات في المنطقة إلى أن يكون هذا سلوكا اجتماعيا يتعزز لدى أفراد المجتمع ككل وتعميم الفكرة في مختلف مناطق المملكة.

اضافة اعلان

[email protected]