عن الأردنيين.. اللويبدة، الرينبو والفحيص

أراه في يوم السبت في مقهى في اللويبدة، من دون أن نتعارف، لكنّه يمضي وقته يدخّن في غليونه، ويرسم على الكمبيوتر، سألت العامل في المقهى عنه، فقال إنّه فنان سوري، يرسم لوحات ويبيعها.اضافة اعلان
في المقهى الذي تزيّنه لوحات فنية جميلة رسمها فنان فرنسي، صديق لصاحب المقهى، تجد مجتمعاً كوزموبوليتيكياً، ذا طابع شبابي؛ شباب أردنيون، ذكوراً وإناثاً، يتحدثون بجانبك عن الروايات الأخيرة، وعن بعض الأفكار الفلسفية، وفرنسيون وأوروبيون وكوريون، وإلى جوار هذا المقهى مقهى آخر ذو طابع تراثي يعجّ بالناس أغلب الوقت، ومعهم بعض الزملاء الصحفيين.
تحوّلت اللويبدة بالفعل إلى مجتمع عالمي جميل وانتعشت المطاعم والمقاهي والخدمات الأخرى، وأخذت طابعاً يجمع بين الحداثة والأصالة. محلات متخصصة بعصائر طازجة وبنكهات خاصة، وأخرى بالطابع العربي الأصيل، ومقاهٍ ملوّنة، وأخرى بالطعام العربي، وإلى جوار دوّار باريس هناك مكتبة جميلة هادئة معها كفتيريا، مرتبطة بالمعهد الفرنسي، وبالقرب منها مقهى فرنسي آخر.. في الشارع – وفي أغلب الأوقات- أناس متواجدون من جنسيات متعددة، وشخص يبيع الكتب التي ينثرها على سيارته بجوار الدوار، والمقاهي مساءً ممتلئة بالأجانب والأردنيين، الذين يفضّلونها على مقاهي عمّان الغربية.
اللويبدة اليوم ليست كما كانت قبل عشرة أعوام، أصبحت تضجّ بالحياة وبالضيوف بخاصة الغربيين، وتحولت البيوت القديمة والبقالات الراكدة إلى محلات جميلة ملوّنة، وإلى سوق نشيط، وبدأت تجتذب أعدادا كبيرة من الشباب الأردنيين أيضاً، وهي تقدّم أنموذجاً سياحياً واقتصادياً وثقافياً استثنائياً، لأنّ الأسعار ما تزال معقولة، مقارنةً بعمّان الغربية، ويفضّلها الغربيون لأنّهم يشعرون بروح الشرق ما تزال تسكن ثقافتها وهويتها، حتى وإن تبرّجت بالحداثة وأصبحت متعددة اللغات والثقافات، فرائحة عمّان القديمة معتّقة من كل شوارعها ومبانيها.
لو بحثنا عن نموذج شبيه باللويبدة لوجدنا شارع الرينبو، بالقرب من الدوّار الأوّل، حافظ على الخصائص نفسها. فالبيوت القديمة والمطاعم الجميلة والمجتمع المتنوع موجود هناك. فلا غرابة أنّ الضيوف الأجانب يفضّلون السكن إمّا بالرينبو أو في جبل اللويبدة، بالرغم من المباني القديمة ومن أزمات المواصلات في كثير من الأحيان، لكنّ التفاصيل المحلية المتزاوجة مع العولمة تستهويهم بشدة، فضلاً أنّ الأسعار ما تزال معقولة وضمن المستوى المنطقي.
الفحيص، هي الأخرى، تقدّم أنموذجاً شبيهاً، باللويبدة والرينبو، مع بعض الاختلافات، فهذه البلدة الجميلة، التي تبعد كيلو مترات قليلة جداً عن عمّان الغربية، أصبحت مقصداً سياحياً متميزاً، للأردنيين والغربيين، وحافظت على هويتها المسيحية الأردنية الأصيلة وثقافتها الاجتماعية، وفي الوقت نفسه انفتحت على السياحة بصورة جذّابة. فيها مطاعم متميزة تجمع بين الطابعين الغربي والعربي، وحافظت المباني القديمة على أهميتها ورونقها، لكنّها تمتاز بصورة خاصة بالاهتمام بالغناء والفنّ، الذي تجده في مطاعمها.
صحيح أنّ هذه الأماكن الثلاثة الجميلة لا تضاهي قصور عبدون ودابوق والأحياء الأخرى الفاخرة في عمّان، التي تشعرك وكأنّك في مدينة تفوق أغنى مدن العالم، وتنسى للحظات أنّك في دولة ترزح تحت مديونية طائلة وعجز تجاري مرعب ومعدلات بطالة مخيفة وفجوة طبقية فجّة، مع ذلك فإنّ تلك الأماكن – اللويبدة والريبنو والفحيص- تمتاز على الأحياء العمّانية الفاخرة بأنّها تضجّ بالحياة وروح المجتمع وثقافته، بينما تلك الأحياء الفاخرة تبدو وكأنّها صامتة بعيدة عن نبض المجتمع وحيويته.
ليس المقصود هنا المقارنة بين هذه وتلك، فلكل طبيعته، لكن هذه الأماكن الثلاثة، اللويبدة، الرينبو والفحيص تصلح بالفعل كتعبير عن النموذج المطلوب الذي يمزج الهوية المحلية والثقافية والخصوصية المحلية المنفتحة على العالم ويمنحها قيمتها السياحية والخدماتية.