عن "الحرب الطائفية" في إسرائيل

ناقشت، مؤخرا، المحكمة العليا الإسرائيلية التماس أهالي طالبات مدرسة دينية لليهود الأصوليين (الحريديم)، وهنّ من اليهود الشرقيين- سفارديم، ضد إدارة إحدى المدارس في مستوطنة عمانوئيل، بعد أن رفضت الإدارة دمج بناتهم في المدرسة ككل، وخاصة في صفوف طالبات يهوديات من اليهود الغربيين- الأشكناز.

اضافة اعلان

وتعددت دوافع الرفض، فتارة كنا نقرأ في الصحافة تقارير تتحدث عن تذمر الطالبات الأشكناز من "رائحة" طالبات السفارديم، أو تذمر الأشكناز من أن في بيوت الحريديم الشرقيين أجهزة تلفزيون، وهو الأمر المحظور كليا عند الأصوليين الأشكناز. وفي قرار مرحلي قررت المحكمة فتح صفوف خاصة للطالبات الشرقيات في المدرسة، إلى حين استصدار قرار بشأن طلب خلط الطالبات بصفوف الأشكنازيات.

هذا مشهد واحد كان "نصيبه" أن يتكشف، ولكنه يكشف ظاهرة مترسخة في الشارع الإسرائيلي، وكل أوهام أوساط إسرائيلية بأن مجتمعها تجاوز مرحلة الصراع الطائفي، وهي أوهام تتبدد عند تكشف كل واحدة من هذه القضايا وهي كثيرة، وعلى مستويات مختلفة، من التعامل البسيط بين الناس، وصولا إلى أعلى مستويات مؤسسات الحكم بأشكاله.

وتبقى الحرب الطائفية الأساسية التي ظهرت مع بدايات إسرائيل هي معركة الأشكناز الذين يعتبرون أنفسهم الشريحة "الأرقى والأنقى" ضد السفارديم، أي أولئك الذين هاجروا من الدول العربية والإسلامية، "الأقل حضارة ونقاوة يهودية" حسب الأشكناز.

وبالإمكان أن تلمس هذا في أي حوار عادي في الشارع حول الأوضاع الداخلية، ولكن هذا الصراع يظهر بشراسته الحقيقية بين الأصوليين (الحريديم) أكثر، فالأشكناز يشككون كثيرا في مدى التزام السفارديم بالشرائع الدينية، والنظرة الاستعلائية بارزة هناك أكثر.

وهذه لا تتوقف عند عداء على مستوى النفسيات والتعامل العادي، بل نلمسه في الحياة السياسية، والأوضاع الاجتماعية، فاليهود الشرقيون هم الشريحة الأكثر فقراء وتربح أقل، وفرص العمل أمامها أقل مما هي أمام الأشكناز، وكذا الأمر بالنسبة للارتقاء في التدريج الوظيفي وصولا إلى أعلى المستويات الإدارية، بما في ذلك مؤسسات الجيش والمخابرات وسدة الحكم.

فمثلا، إن معدل الرواتب لدى اليهود الأشكناز يعادل 137 % من معدل الرواتب العام، بينما معدل الرواتب لدى اليهود السفارديم يعادل 103 %، من المعدل، ونشير هنا إلى أن معدل الرواتب بين فلسطينيي 48 يعادل 67 % من معدل الرواتب، ولكن بالنسبة لليهود، فإن معدل رواتب الشرقيين يعادل 75 % من معدل رواتب الغربيين، وكذا الأمر بالنسبة للتحصيل العلمي، ومعدلات البطالة والفقر، الذي هو بين الشرقيين %15 وبين الغربيين أقل من 10 %، مقابل 51 % بين فلسطينيي 48.

ولكن لهذه الحرب الطائفية طابعا عرقيا، تأجج بعد موجات الهجرة الضخمة في العقدين الأخيرين، فمثلا، هناك نفور كبير بين الأشكناز والسفارديم من جهة، بوصفهم "قدامى"، وبين المهاجرين الجدد، فالنفور من المهاجرين الروس، بسبب الانطباع أنهم جاؤوا و"احتلوا" اماكن العمل ومصادر الرزق وحتى السياسية، وفرضوا أنفسهم على المجتمع، وباتوا مركز قوة، أما النفور من الأثيوبيين، فهو بسبب نمط حياتهم، ويرافق هذا الكثير من نظرات التحقير والإهانات.

وإلى جانب هذا، هناك الحرب التي عادت لتتأجج بقوة، مع مؤشرات لأن تكون أكثر احتداما مستقبلا، وهي بين جمهور العلمانيين والأصوليين- الحريديم، خاصة بعد أن أكدت التقديرات بأن الأصوليين سيشكلون نسبة أكثر من 30 % من اليهود في إسرائيل بعد 15 عاما، لتقارب بعد ذلك بـ 15 عاما أخرى إلى 50 %.

فيكفي أن نعرف أنه وفق المعطيات الرسمية، فإن معدل الولادة لدى المرأة الأصولية 8 ولادات، ولربما أكثر، بينما معدل الولادات لدى المرأة اليهودية العلمانية 1,4 ولادة، وهذه معطيات تقلق العلمانيين بشأن طبيعة حياتهم مستقبلا، ما قد يجعلهم يبحثون عن أماكن أخرى للعيش، وبالأساس خارجا.

هذا الأمر يؤكد مجددا أن إسرائيل بعد 62 عاما ما تزال مجتمعا متفككا، وكل محاولات اختلاق الشعب الواحد المنصهر "بثقافة واحدة" تبوء بالفشل، فهناك ثقافة ولغة الشارع، مقابل ثقافة ولغة البيت، بمعنى أن الروسي المهاجر مهما أتقن العبرية فهذه لغة الشارع، ولدى التقائه بأول مهاجر مثيل يعود مباشرة إلى لغته، والأمر أكثر في البيت، وهذا لا يقتصر على المهاجرين الجدد، بل أيضا لدى العراقي والمغربي والبولندي والبريطاني الذي هاجر منذ أكثر من خمسين عاما، ومعهم أبناؤهم.

[email protected]