عن الوطنية بمناسبة عيد الاستقلال

 

في الفكر القومي التقليدي في منطقتنا فإن عيد الاستقلال ليس بالمناسبة التي يحتفى بها لأن  وجود الكيانات القطرية نفسه هو شاهد فقط على مؤامرة التجزئة.

اضافة اعلان

ولوقت طويل تجنبت الحركة القومية حتّى تسمية أحزابها بأسماء قطرية، وكامتداد لهذا الإرث فإن أول تجمع سياسي للقوى اليسارية والقومية في الأردن بعد التحول الديمقراطي أخذ اسم التجمع القومي الديمقراطي العربي، اليساريون أدخلوا كلمة "الديمقراطي" والقوميون كلمتي "القومي العربي".

وقد نشأ في الأثناء حزب من مستقلين تقدميين أخذ اسم "الوطني الديمقراطي" في تأكيد مقصود على الطابع الوطني للتيار التقدمي الذي يمثله وكان انعكاسا لتحول التقدمية من طابعها القومي الى طابعها الوطني, ومن بينهم في ذلك الوقت الأساتذة محمد داوودية وسمير حباشنة ومازن الساكت والمرحوم مؤنس الرزاز، ولم أعرف لماذا تم تحويل الاسم لاحقا الى "العربي الديمقراطي"، ربما بتأثير العناصر الأكثر ميلا للخلفية القومية، والحزب نفسه عندما اندمج مع مجموعات يسارية اتجهت نحو الاعتدال فقد ضغط للحفاظ على تسمية قومية, وكحل وسط بديل تم استخدام كلمة "وحدوي" فأصبح اسمه "الحزب الديمقراطي الوحدوي", ولكن حلّ مشكلة الاسم والبرنامج الذي أخذ عاما كاملا لم يحل التباينات في الموقف إزاء الأحداث القومية ثم المشاركة في الحكومة, وربما دخلت هنا ايضا الحساسيات الشخصية؛ فانفصل المكون القومي في المشروع مما حررّ الباقين من الالتزام بالتسمية الأولى فتمّ العودة إلى التسمية التي تمّ التنازل عنها وهي حزب اليسار الديمقراطي الأردني، أمّا في المحاولات التوحيدية اللاحقة فقد كان الاسم المقترح هو التجمع الديمقراطي فحسب.

التياران اليساري والإسلامي يتصفان بالطابع الأممي ونجدهما في مختلف البلدان كلما اتجها الى درجة أعلى من الاعتدال والواقعية والبرامجية محل الايدلوجية كلما اقتربا أكثر من الوطنية، أي الإطار الواقعي لخدمة قضايا شعبهم وأهلهم. وينطبق الأمر في النهاية على التيار القومي الذي كلما ابتعد عن الرومانسية والشعاراتية وأيضا الاستقلال عن مراكز خارجية كلما اقترب أكثر من الوطنية ووضع المصلحة المحلية "أولا".

هذا لا يعني قبر الفكرة القومية، لكن يجب لدوائر الانتماء أن ترسو على سكتها الواقعية الدائرة الوطنية أولا ثم العربية ثم الاسلامية، والخطاب فوق القومي أو فوق الإسلامي ينتج فقط نفاقا ومخاتلة لواقع تتشكل فيه المصالح, وهي أصل السياسة على قاعدة وطنية أي اطار الدولة القائمة عمليا، والحقيقة أن خطاب المدّ القومي بالغ في تغييب الحقيقة الوطنية بافتراضها فقط حالة مصطنعة خلقها الاستعمار. بينما هي حقيقة تاريخية بدرجة أو بأخرى وليست مجرد خطوط رسمت عنوة على الخريطة.

[email protected]