عن "انهيار إسرائيل الوشيك"

اشتدت في الأشهر الأخيرة النغمة التي نسمعها كثيرا عن "قرب انهيار إسرائيل". وأحيانا، حينما تجلس "صدفة" تشاهد بعض الندوات التلفزيونية، يُدخلك بعض المتحدثين في أجواء وكأنه من الأفضل ألا تنام ليلتك استعدادا لاستقبال الجيوش المحررة من البحر إلى النهر، أو أن قادة إسرائيل أنفسهم سيقررون بمحض إرادتهم "تسليم المفاتيح" للأمم المتحدة.

اضافة اعلان

ونحن نسأل: أهي حماسة زائدة، أم مبالغة متعمدة لزرع الأوهام؟ ولكي لا نظلم أحدا، فإن هذا وذاك صحيح. والمشكلة ليست مع ذوي الحماسة المفرطة، الذين كل ما هو مطلوب منهم القليل من المسؤولية والتروي وقراءة الأوضاع بواقعية وموضوعية، وهو شرط أساس لمعرفة كيفية مواجهة الواقع وتحسينه، إنما المشكلة الخطيرة هي لدى الذين يبالغون، عن سبق إصرار وترصد، من أجل الترويج لأجندة سياسية ليست واقعية، وبحيث يصبح بث الأوهام وتضخيم الأمور وسيلة للاقناع بتلك الأجندة، مهما كان ثمن هذا سياسيا.

ويحلو لهؤلاء أن يصنفوا المختلفين معهم، فإما أن يكونوا قد "رضخوا لسياسة الأمر الواقع"، أو أنهم "متحمسون جدا للكيان الصهيوني". ومن هنا، فإن الطريق قصيرة جدا للتخوين. والى جانب كل هذا، فإن المزاودة ترتفع إلى منسوب مُغرق.

ونؤكد ثانية أن قراءة الواقع بموضوعية هي شرط أساس لوضع رؤية سياسية واضحة قابلة للتحقيق في ظروف المرحلة، وليكون بالإمكان استخدام الوسائل كافة لتحقيقها. ومجال التحرك ضمن دائرة الواقع واسع جدا، وغير ذلك يبقى خارج تلك الدائرة، وفقط للتشويش.

حقيقة ان الأزمات تعصف بإسرائيل من كل حدب وصوب، ولا سيما في الأشهر الأخيرة؛ فهي فشلت في تحقيق أهداف عينية في عدوانها على قطاع غزة، وكذلك الأمر في حربها الشرسة على لبنان، وتلقت ضربات هزت عنجهيتها العسكرية، لكن -وكما قلت في مقال سابق- فإن إسرائيل لم تخسر الحرب ولم تُهزم استراتيجيا.

وفي هذه النقطة بالذات يجب التمييز بين مفهوم الفشل الذي يجري الحديث عنه في إسرائيل، وبين ذاك المتداول خارجها. فإسرائيل دمّرت وقتلت في لبنان وارتكبت المذابح؛ ورغم قتل أكثر من ألف لبناني، إلا أن هذا الكم من الدمار والدم لم يُشبع العقلية العسكرية التي تسيطر على المؤسستين السياسية والعسكرية في إسرائيل، ولهذا فإن الالتقاء هو حول اسم المصطلح وليس في المضمون.

وصحيح أيضا أن إسرائيل تعايش أزمة سياسية داخلية، لأنه رغم بطشها إلا أنها باتت تدرك أنها لا تستطيع مواصلة السيطرة على شعب بأكلمه، وهي تماطل في الدخول إلى مسار المخرج الوحيد الذي أمامها.

كذلك، فإن فضائح الفساد تتوالى، وتستفيق إسرائيل أسبوعيا تقريبا على فضيحة جديدة. فالفساد ينخر في المؤسسة، وهذا نتيجة حتمية لكل سياسة الحرب والاحتلال وتعظيم مبدأ القوة، ولا يمكن لدولة تمارس سياسة كهذه أن تحافظ على نزاهة حكم، خاصة وأن الموجّه لهذه السياسة هو أيديولوجية عنصرية استعلائية تنفي وجود الغير.

لكن علينا ان نعي حقيقة ان كل هذا يدور داخل دولة مؤسساتية، لا تسمح بوجود فراغ سياسي وعسكري، حتى في أحلك الظروف. فنحن، مثلا، مقبلون على تغييرات جدية في الحكومة الإسرائيلية، على صعيد وزراء من الدرجة الأولى. وقد يتطور الأمر إلى حد كرسي رئاسة الحكومة. لكن أيضا هذا يجري بشكل منظم، وله قوانينه وأنظمته في داخل المؤسسة.

في المقابل، يجب ألا تغيب عن نظرنا معطيات النمو الاقتصادي المتسارعة إلى الأعلى، وهذا يعزز ما سبق. فالممولون على قناعة بأن كل الاهتزازات السياسية الجارية في إسرائيل تبقى في داخل المؤسسة ولا تنعكس على الحياة الاقتصادية، وإلا لما كنا رأينا هذا الاندفاع نحو السوق الإسرائيلية، وبأرقام قياسية.

هذه هي العناوين العريضة للوضع الداخلي في إسرائيل، وهذه هي مقاساته، وكل حديث عن أن هذه مؤشرات لبداية النهاية لإسرائيل هو مبالغة وأوهام تتسبب بضرر بالغ وخطيرة لفرص النضال الحقيقي والواقعي، ينعكس على الشعب الفلسطيني الذي يخوض نضاله على مدى سنين ولم ييأس.

إن المبالغة وبث الأوهام هي الوصفة الأكثر فعالية لنشر الإحباط واليأس بين صفوف الجماهير، لأن الاوهام لا يمكنها ان تدوم، ولا بد وأن تتكشف، ولا هي تحتاج إلى الكثير من الزمن في عصر السرعة. ولهذا، فإن الإنسان العادي الذي بنى آماله على أوهام، سيغرق في إحباط خطير حين تتكشف له الحقيقة.

إن الشعب الفلسطيني قرر بأكثريته الساحقة جدا، ومعه أكثرية الشعوب العربية، ما هي وجهة الحل الدائم، وهذا هو هدف النضال، وعليه تقوم البرامج السياسية. وقد أثبتت التجربة ان لا مكان لغير ذلك من الجهتين.

صحافي وكاتب سياسي-الناصرة

[email protected]