عن صناعة الأمل

تجربة مهمة لمستها من مشاركتي بحملة "قادة الأعمال" التابعة لمؤسسة "إنجاز" التي تضمنت زيارة لإحدى المدارس. لقاء جميل جمعني مع طالبات يافعات، خصوصا أنني وأبناء جيلي فقدنا فرصة التواصل مع هذا الجيل والوقوف على طموحاته وشعوره وتحدياته، وهو الذي يعيش اليوم في ظل ظروف استثنائية ومعايشته لأزمات عديدة.اضافة اعلان
جميل أن تلمس لدى كثير من الطالبات طموحات لا حدود لها لبناء مستقبل مليء بالإنجاز، يمكنهن من رسم طريق وردي يشبه ملامحهن. لديهن أحلام لا تنتهي، وأهداف كثيرة يأملن في بلوغها، أو تحقيق شيء منها في مجتمعاتهن. كل واحدة تمتلك حلمها الخاص، وشغفها وطريقها، والفرص التي يمكن أن تتوفر لها لتحقق ذاتها، وتصل إلى ما تصبو اليه.
طالبات أخريات، يشعرن أن الطريق أمامهن غير واضح المعالم، لا يعرفن إن كان لديهن اي شغف لشيء ما، أو طموح لتحقيق إنجاز يسجل لهن، أو حتى إن كان العمل أو دراسة تخصص محدد أمرا يستدعي التفكير والبحث لمعرفة الاتجاهات الصحيحة! ربما لأنهن يعشن في محيط يبث أفكارا سلبية، أو مع عائلات غير داعمة لا يعنيها رسم طريق مستقبل معبد بالنجاح، إنما قد تكتفي بفرض ضوابط مجتمعية قاسية تشلّ، في كثير من الأحيان، التقدم والتميز والرغبة في الإبداع.
الجيل الجديد الذي يعاصر الأزمات المستمرة وأخبارها من حروب وتقتيل وخراب وأزمات لا تنتهي، نشأ وسط ظروف مختلفة، ومتغيرات عديدة وأفكار سلبية، وعصر جديد متغير؛ وهو في حاجة لجرعات أمل يستمدها من البيت والعائلة والمدرسة والمعلمين، ومن مجتمعه ومحيطه.
ولكن، ما يبعث على الطمأنينة، بالرغم من الأوضاع السلبية المحيطة، أن هناك أملا يسكن عيون الفتيات، يدفعنا فعلا إلى أن نؤمن أن التحدي الرئيسي اليوم هو كيفية صناعة الأمل وديمومته.
نحتاج حقا للأمل، علّه يساعدنا في محاربة إحباطات باتت تغزو حياتنا وتتعب أرواحنا وتستنفد منا كل ما هو جميل ومبهج.
كثيرون بيننا يشعرون بالإحباط، ويفتقدون الشعور بالحواضن الآمنة. عشرات الآلاف من الشباب يتخرجون من الجامعات وهم ينتظرون فرصة عمل حقيقية، وأمامهم مستقبل غائم ترسمه ظروف سياسية واقتصادية صعبة، وخوف من نزاعات وحروب تحيط بنا من كل جانب، وفي ظل أوضاع معيشية منهكة، وظروف نفسية واجتماعية قاهرة، وعدالة مفقودة وبطالة، وشح بالموارد، وفرص ضائعة وغياب لبرامج تنموية حقيقية تنعكس على حياة الأفراد.
لم نعد كما كنا. الأيام مثقلة بالصعوبات، وحجم الأمل يتضاءل فينا. لكن هؤلاء الشباب يتشبثون بالأمل، ويصنعونه في محيطهم، ويحلمون بأن يكون غد أكثر جمالا وبهاء.
من حقنا أن نخطو نحو مساحة الأمل الأوسع في حياة ندرك جميعا كم هي قصيرة. والأجمل أن نستطيع أن نحقق اختراقا في ظل وضع كهذا، وأيضا، أن نصنع فرقا، سواء في حياتنا أو في حياة الآخرين. تلك هي البهجة الكبيرة التي ستشعرنا بارتواء أرواحنا، وبأننا نجحنا في مهمتنا الأساسية في الحياة، وهي خلافة الأرض.
كل ذلك يتحقق بالإيمان، وبالأمل الذي سيبقى شعورا يراود النفس البشرية مهما بلغت الصعوبات والتحديات. إنه المحرك الأساسي لجميع ما يمكن أن نحققه في مشوار حياتنا، وإن لم نجده فلا ضير أن نصنعه ونبحث عن مفاتيحه كي نكمل هذه الحياة بفرحها وألمها، فبدونه ستتلاشى أحلامنا ولن نجد ملاذنا الآمن، وستصبح الحياة بلا معنى أو قيمة!
أن نكون على قيد الأمل، يعني أننا ما نزال مستمرين في الحياة، وأننا نكافح من أجل أن نحسن شروط حياتنا.