عودة إلى وسط البلد

كل أسبوع أذهب إلى وسط البلد، أجلس في أحد مطاعمها أو مقاهيها التي أصبحت تعج بالناس أردنيين وعربا وأجانب، وحين نغادرها ليلاً حتى وإن كانت الساعة متأخرة تكون شوارعها مزدحمة وتفيض بالحياة. اضافة اعلان
قبل سنوات كان وسط البلد في عمان مهملاً، ولم يكن يرتاده الناس كثيراً، وكنا نشكو من ضياع الهوية، وتغوّل الأحياء الجديدة عبدون، الرابية، الصويفية، دابوق على حساب عمان القديمة وتاريخها.
كنا نتألم، فكل العواصم في الغرب وحتى بعض البلدان العربية يكون للبلدة القديمة نكهة خاصة، وحين تزور أي عاصمة فإن أول ما تفعله، وتحرص عليه أن تزور وسط المدينة، وأكثر من ذلك فأنت تحرص على أن تختار الفندق التي تقيم فيه بهذه الأماكن أو ليس بعيداً عنها.
وفي عمان لم نكن نفعل ذلك، فعمان القديمة كانت متوارية، وحين يزورنا الضيوف لم أكن أتجرأ أن أصحبهم لزيارتها، وحقيقة لم تكن لدي المعلومات التي تشجعني بالمغامرة لدعوتهم مثلاً لغداء أو عشاء هناك، فكل ما أعرفه لا يتجاوز مطعم القدس، وحبيبه، وبعض المطاعم القديمة التي لا تشجع على ارتيادها.
استعادت عمان القديمة أو وسط البلد ألقها، والفضل في ذلك يعود لأمين عمان السابق عمر المعاني، الذي كرس الكثير من وقته لإحياء هوية عمان القديمة، وشجع الناس على عمل المقاهي والمطاعم لجذب الناس لها، ونظّم الطرق والأرصفة بشكل جميل وخلاق محافظاً على الطابع القديم، مضيفاً إضاءات جذابة.
قال لي صديق ذات مرة، هل تعرف أدراج عمان القديمة، فأجبت بالنفي، فقال لي إذن أنت لا تعرف عمان.
لم ينته مشوار العمل لاستعادة هوية وسط البلد، فما أنجز جيد، ولكن لابد من البناء عليه، وسأبدأ من مواقف للسيارات، فحين أذهب هناك تكون الحصيلة مخالفة سير، وأتعجب أين أضع سيارتي، فلا يوجد سوى موقف واحد بالإيجار، وهو لا يستوعب أكثر من 30 سيارة، فماذا تفعل الناس؟
أمانة عمان مطالبة وسريعاً بإيجاد حل، فما المانع أن يكون الاصطفاف منظماً على جانبي الأرصفة وبالأجرة، وعلى طريقة العدادات بالساعة التي طبقت سابقاً بجبل الحسين، وأيضاً فإن هناك بالتأكيد أراضي فارغة يمكن تأهيلها وتحويلها لمواقف عمومية، مع ضرورة وضع لوحات إرشادية تدل عليها.
المشكلة الثانية التي تحتاج إلى إجراء وحل سريع، هي نظافة وسط البلد، ففي بعض الطرق والممرات، والأرصفة، وعلى الأدراج القديمة تجد النفايات ملقاة على الأرض، وحملة نظافة واسعة ورقابة مستمرة، واهتمام أكبر، وتوعية لأهالي وتجار المنطقة ستضع حداً لهذه المعضلة، لأن استمرارها لن يحولها لنقطة جذب سياحي!
ونحن على مشارف الصيف، فإنني أقترح على أمانة عمان ووزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة، وحتى إدارة مهرجان جرش، أن تطلق فعاليات وأنشطة وسط البلد، لتصبح زيارة هذه المنطقة جزءا من سلوكيات المصطافين العرب، وليس فقط الأجانب، وممارسة لأهل عمان جميعاً، وليس محصوراً بذوي الدخول المتدنية.
شارع الرينبو قصة نجاح نستطيع أن نبني عليها، فهو اليوم ملاذ لكل الناس ومن كل الأذواق، ولا يجد سكان عمان موطئ قدم فيه ليلة الخميس، وعلى ضوء هذه التجربة الناجحة يمكن أن نصنع تجربة وسط البلد، وبعدها ننتقل لأحياء منطقة اللويبدة، ونذهب إلى عمان الشرقية أصل المدينة بتلالها وجبالها.
في لندن لا يذهب الناس إلى الأحياء الراقية ليمضوا وقتهم، بل يذهبون إلى أحيائها القديمة، وفي القاهرة ما تزال "زواريب" حي الحسين تستقطب الناس حتى ساعات الفجر، وحتى الدوحة المدينة الحديثة نسبياً أعيد بناء سوق "واقف" على الطريقة القديمة، وأصبح أهم مكان يزوره الناس في قطر.