عيّنة من وزراء ترامب

ترامب نوع من رجال الأعمال الذين لا يتقيدون بقيمة من أجل تحقيق الربح أو الفوز، فكل شيء عنده مرتبط بالمال. وبهذه العقلية أو الفلسفة أفلس الرجل ست مرات، ولكنه كان يقوم في كل مرة. وهو الآن إمبراطور عقاري كبير، ولما بلغ ما بلغ من ثروة صار يتطلع إلى الرئاسة الأميركية، فوصل، وشكل حكومته أو - على الأصح – عصابته من أشكاله. اضافة اعلان
ومن هؤلاء وزيرة التربية والتعليم بتسي ديفوس (59 عاماً) البليونيرة التي كانت تطوف البلاد قبل ذلك وتتبرع للترويج للمدارس البديلة (الخاصة والدينية) وإسقاط المدارس العامة بحجة إتاحة الاختيار للآباء والأمهات لإلحاق أطفالهم بالمدراس التي يرغبون فيها بل والسماح بتمويل هذه المدارس من حصيلة ضريبة التعليم العام، ومخصصات من الموازنة الفيدرالية، ما جعل نقابة المعلمين تقارنها بروبين هود الذي يسرق فلوس المدارس العامة التي تقدر بأكثر من خمسمائة مليار دولار سنوياً لصالح المدارس البديلة.
اختار ترامب ديفوس للمنصب مكافأة لها ولأسرتها الثرية على مساهماتهما في تمويل حملته الانتخابية، ولأنه يؤمن بالفلسفة نفسها. وفي أثناء لقائها مع لجنة مجلس الشيوخ لتثبيتها في منصبها فشلت تماماً في إقناعها بصلاحيتها له. ومع هذا وقف ممثلو الحزب الجمهوري في اللجنة إلى جانبها لأنهم من الطينة نفسها. ولمّا كانوا بحاجة إلى صوت واحد لترجيح الكفة لصالحها فقد استدعوا نائب الرئيس على الفور لتوفير هذا الصوت. وهكذا أصبحت وزيرة للتربية والتعليم بمرتبة (16) بروتوكولياً من الرئيس في أثناء الاجتماعات الحكومية الرسمية. وقد علق أحد أعضاء اللجنة الديمقراطية قائلاً "لقد أجادت بتسي دورها في إثبات أنها غير مؤهلة للمنصب".
لم يمنع فشلها كوزيرة سابقة للتربية والتعليم في ولاية ميشغن من اختيار ترامب لها على الرغم من هبوط تحصيل تلاميذ الولاية في عهدها في القراءة والرياضيات إلى أدنى مستوى بين عشر ولايات.
ديفوس تهزأ من المدرسة العامة وتحتقرها وترى أن التعليم العام يجب أن يتحول إلى بزنس أو إلى سوق حرة كغيره من القطاعات. لم تلتحق هي نفسها بمدرسة عامة قط، ولم تُلحق أطفالها بها، أي أنه ليس لديها أي خبرة في التربية والتعليم في المدارس الحكومية.
ولأن معظم الأهلين والتربويين والمربين في أميركا يؤيدون المدرسة العامة التي تستوعب أكثر من تسعين في المائة من أطفالهم وتعدّهم لممارسة الديمقراطية العلمانية والمواطنة الملتزمة، فإن الجميع يكرهونها ويتظاهرون ضد الوزيرة.
وتحمّل الدولة "جميلة" باستخدام طائرتها الخاصة في زياراتها وجولاتها دون مطالبة الدولة بالنفقات، وإن كانت تضيع كثيراً من وقتها بالغياب عن المكتب بحجة الهرب من البيروقراطية، كما يقول مؤيد لها، فبتسي حسب رأيه ليست مخلوقاً واشنطونيا، ومن ثم "فهي تفضل قضاء وقتها مع التلاميذ والتلميذات والآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات والمديرين والمديرات، في أنحاء البلاد" "متجاهلاً" أن غالبيتهم يكرهونها ولا يحبون رؤيتها ولا فلسفتها.
كانت تظن أن شعبيتها كمواطنة تتبرع وتوقع الشيكات للترويح لفلسفتها ستجعل الناس يرحبون بها كوزيرة، ولكنها تفاجأت بالعكس. وقد علق أحدهم على ذلك بقوله: "كان تأثيرها في التعليم كمواطنة عادية بالمال، أقوى من تأثيرها فيه كوزيرة".
انعكس منهج وأسلوب ترامب وحكومته، على سلوك التلاميذ والتلميذات، فأخذوا يقلدونه ويستخدمون لغته الفظة ويكذبون. كما ازداد التنمر في المدارس عاكساً تنمره على المهاجرين، وكذلك ازداد الغياب عن المدرسة بحجة أنهم يستطيعون الحصول على المعلومة من مصادر أخرى.
صار المعلمون والمعلمات يشعرون أنهم محاصَرون. وعلق أحدهم على ذلك قائلا: "إنها سنة رهيبة. إنهم يأتون جاهزين للقتال، معبئين بمعلومات سيئة من تويتر وفيسبوك".
دراسة لجامعة كاليفورنيا شملت 1500 مدرسة، و850 معلماً ومعلمة، وثلاثين مقابلة قالت إن "إدارة ترامب تحدث تأثيراً سلبياً في غرفة الصف والمدرسة".
هذه مجرد عينة من عصابة الرئيس الذي لا يلتزم بقاعدة أو معيار. واللافت أن كثيراً من دارسي التربية والتعليم في أميركا يرجعون معجبين أو مأخوذين بالمدارس البديلة تلك، فيدعون إلى تقليدها بعد عودتهم إلى بلادهم غير باحثين في العمق ولا مطلعين على نقد المربين لها.