ثقافة

“غالب هلسا.. مثقفا عضويا مشتبكا” ندوة فكرية ينظمها منتدى الفكر الاشتراكي

عزيزة علي – أقام منتدى الفكر الاشتراكي ندوة بعنوان “غالب هلسا.. مثقفا عضويا مشتبكا”، تحدث فيها كل من القاص سعود قبيلات، ود. موفق محادين، وناجح الخطيب، وأدارها خالد مساعدة.
رأى متحدثون أن غالب هلسا كان مشغولا بتحديث المجتمعات؛ حيث أولى العلاقات والبني الاجتماعية اهتماما أكثر بكثير مما يوليه للمعرفة النظرية، فقد تخطى حاجز الوعي الزائف نحو وعي حقيقي وعميق، وعلى مستوى القراءة والترجمة، فهلسا لم يكن مجرد قارئ للأعمال التي يترجمها، فقد كان يكتب لها مقدمات لا تقل أهمية عن الأعمال نفسها.
القاص سعود قبيلات، تحدث عن “مواجهة استلاب وعي الريف”، قائلا “إن بعض أدباء الريف عانوا من استلاب وعيهم فيما يخص ريفهم؛ فنظروا إليه، سلبا وإيجابا، بعيون المدينة، وليس من زاوية واقعه الفعلي وظروفه الحقيقية، وبعضهم اختار أن يرد الصاع صاعين إلى المدينة؛ فيعبر عن عدائه لها، ويشوه صورتها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، الأمر الذي أنتج في معظم الأحيان صورة نمطية كاريكاتيرية عن الريف (وعن المدينة أيضا)، بدلا من الصورة الحقيقية المطلوبة”.
ورأى قبيلات “أن الأديب الأردني الراحل غالب هلسا، تخطى حاجز الوعي الزائف نحو وعي حقيقي وعميق لهذه المسألة؛ حيث تمكن بسعة ثقافته، وعمق وعيه، من الانتباه إلى زيف الصورة النمطية هذه، فرفضها، وتلمس ملامح صورة أخرى بديلة؛ صورة غير نمطية، وأقرب إلى الواقع.. بسلبياته وإيجابياته. فجاءت كتابته (عن الريف وعن المدينة) معبرة عن موقفه المختلف ذاك”.
واستعرض قبيلات، بعض ما كتبه هلسا عن نفسه، وعن الكيفية التي استعاد بها وعيه الحقيقي للريف الذي احتضن طفولته ومطالع شبابه في بلدة ماعين في مادبا، يتحدث هلسا، في هذا السياق، بشجاعة، عن “أديب (ريفي)، وهو (وليم فوكنر)، الذي رسم صورة فاتنة للريف في جنوب الولايات المتحدة الأميركية خلال النصف الأول من القرن العشرين، وكشف غنى الحياة فيه وعمق الشخصيات الإنسانية المنبثقة من واقعه”.
وخلص قبيلات إلى أن هلسا يقارب بصورة غير مباشرة، ما بين البيئة التي نشأ فيها فوكنر وبين البيئة التي نشأ هو فيها، فيقول: “لقد ولدت ونشأت في مجتمع يتحول من البداوة إلى الزراعة، ومن الزراعة إلى التجارة”، وربما كان مضمون هذه المقاربة بالذات هو السبب الذي جعل ثلاثة من أبرز الأدباء الأردنيين يتأثرون بصورة حاسمة بأسلوب فوكنر وتقنياته وأجوائه؛ وهم: غالب هلسا، نفسه؛ وتيسير سبول، في “أنت منذ اليوم”؛ ومؤنس الرزاز، في العديد من رواياته”.
ومن جانبه، تحدث الباحث الدكتور موفق محادين، عن “المعمار الفكري عند هلسا”، قائلا “ابتداء من المرجعية المنهجية عند غالب هلسا، فهي أقرب الى ما يمكن تسميتها بالماركسية النقدية المتأثرة بمدرسة فرانكفورت وخاصة اريك فروم، الذي أنتج مقاربة خاصة تربط بين الماركسية وعلم نفس يغاير العديد من أطروحات فرويد، وكذلك اهتمامات هذه المدرسة بعلم الجمال ونقد العقل التقني والاستلاب السلعي الرأسمالي”.
وأشار محادين إلى مرجعية أخرى تضاف إلى مرجعيات هلسا، وهي “دور أحلام اليقظة ومقارباته الخاصة لأعمال روائية وفكرية أعاد إنتاجها في أعماله وكتاباته، ومنها كتاب باشلار، جماليات المكان، ودراسات رايش حول الجسد والجنس والقمع، وفكرة الجنوب في كتابات غرامشي وسمير امين وفرانز فانون، أما على الصعيد الروائي، فالأبرز في اهتمامات غالب هلسا رواية فوكنر (الصخب والعنف) ورواية سالينجر(الحارس في حقل الشوفان) وبروست (البحث عن الزمن المفقود) ورواية دوستويفسكي (الاخوة كارامازوف)”.
ورأى محادين، أن هلسا لم يكن مجرد قارئ للأعمال السابقة التي ترجم العديد منها بمقدمات لا تقل أهمية عن هذه الأعمال نفسها، وهو ما أظهرته معالجته واقترابه من الحقول الروائية والمعرفية التي كتبها واشتغل عليها، بما في ذلك كتاباته حول البطركية والمرأة، وحول التراث (الجهل في معركة الحضارة) و(العالم مادة وحركة) الذي تناول فيه تيار إبراهيم بن سيار النظام عند المعتزلة.
ومن جانبه، رأى الباحث ناجح الخطيب، أن هلسا جمع بين سعة الاطلاع والموهبة والشجاعة الفكرية، وهذه العناصر قلما تجتمع في شخص واحد، وفوق كل هذا، لم يكن هلسا من النوع الذي يخضع أو يردد الشعارات والمقولات المستقرة، بل أخذ لنفسه مسارا آخر، ولم يتردد في نقد كثير من الشيوعيين، ويبدو أنه كان مشغولا بتحديث المجتمعات لا بتحديث المعارف والثقافات، وكان يولي العلاقات والبني الاجتماعية اهتماما أكثر بكثير مما يوليه للمعرفة النظرية. ويتابع الخطيب “كان هلسا يعد نفسه ماركسيا، وفي الوقت نفسه لم يكن معنيا بالكتابة عن الشيوعية والماركسية، وهذا يطرح سؤال أيهما أهم هلسا الروائي المناضل أم أعماله؟ فهل نعتبر هلسا كاتبا أردنيا لمجرد أنه ولد وترعرع في الأردن، مذكرا انشغال هلسا بالمكان، حيث قام بترجمته كتاب “جماليات المكان”، وقدم فيه فهما للمكان، حيث قسم المكان إلى أنواع مثل “المكان المجازي، والمكان الهندسي، المكان المعيش، والمكان المعادي”، فأين كان يجد هلسا مكانه الأثير بين هذه الأمكنة؟”.
ويقول الخطيب “إن مفكرا بحجم هلسا، كان مسكونا بالنهوض بالمجتمع، ومؤمنا بحق الناس في الحياة والحرية، لن يكون أسير مكان بعينه، ولذلك لم ينشغل هلسا بمسألة الهوية، وهذا طبيعي؛ إذ إن الماركسي الشيوعي ينطلق من فكر أممي هو بوصلته، وفي إحدى رواياته يقول: تظل غريبا، غريبا على نحو ما، في داخل القرية إن لم تنتم إلى عصبية قبلية أو عشرية من من عصبياتها. قد تدرك منذ البداية، وقد يخفى عليك فترة طويلة، ثم يظهر فجأة. بل إنك في بحثك اللاواعي عن الهوية تشعر أن ارتباطك بالقرية أعمق من الآخرين، إنك تجدد انتماءك كل لحظة وتؤكده حتى لا تفقد هويتك، حتى لا تكون غريبا”.
ويوضح الخطيب، أنه في هذه الفقرة التي كتبها هلسا، ندرك أن ثمة “بحثا لا واعيا عن الهوية، وأن القرية لم تتوار في وعيه، فيصبح اللاوعي منطلقا لتأسيس وعي، أعلى وأكثر تقدما، وهو فهم عميق لمسألة الأممية أو العالمية مقابل “الكوزموبوليتانية”، كما أطلق عليها هلسا”، مؤكدا “أن هلسا سيظل رمزا من رموز الثقافة المناضلة، وسيبقى كنزا أدبيا ومعرفيا ينبغي استخراج نفائسه والتعريف به”.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock