غرام وانتقام!

أحد الأخطاء الكبرى التي يرتكبها المسؤولون، بخاصة الوزراء أو من هم في درجة رفيعة في الدولة، عدم إدراكهم لأهمية الرسالة الإعلامية وضرورتها في التواصل مع الشارع وتوضيح السياسات الحكومية، أو المرتبطة بأعمالهم، وفتح قنوات من الحوار والنقاش والتغذية الراجعة.اضافة اعلان
 سياسة الأبواب المفتوحة كانت في السابق متمثّلة في "فتح باب المكتب" فيزيائياً، للجمهور والمتابعين، لذلك عندما يريد المواطنون مدح مسؤول يقولون "بابه مفتوح لجميع المراجعين والقادمين". أمّا اليوم فإنّ الأبواب المفتوحة تتجاوز ذلك إلى الانفتاح على الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والعمل الميداني والالتقاء بالناس، وصياغة رسالة جدية بما يقوم به، وتلقي الملاحظات والاشتباك مع الشارع.
 هذا النموذج المغفل لدى المسؤولين لم يعد كذلك، فهنالك إدراك جديد لدى دوائر القرار بأهمية التواصل والاتصال، وعلامة ذلك لقاء رئيس الوزراء والوزراء مع مجموعة من الشباب (وهو لقاء سبقني زميلاي جمانة غنيمات وفهد الخيطان إلى قراءته، بوصفه تحولاً جيداً، لكنْ منقوصاً، وبحاجة إلى إعادة تفكير في الصيغة والمضمون)، ومن الواضح أنّ الإشارة إلى الجميع أن تحرّكوا واشتبكوا مع الناس وتواصلوا معهم.
 بالمناسبة هذه الخلاصة هي إحدى التوصيات المهمة التي قدّمها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية للمسؤولين، وستصدر قريباً في تقرير خاص عن أجندة الأردن 2018، وتتمثل بالدعوة إلى العمل الميداني والاشتباك مع الشارع وضرورة صوغ الرسالة الإعلامية وردم الفجوة المتنامية بين الحكومات والمواطنين.
 إذاً، من حيث المبدأ فإنّ سياسة التواصل والانفتاح على الإعلام ليست مطلوبة فقط، بل ضرورية جداً، ومن النماذج الناجحة نسبياً في ذلك كلّ من وزيري التربية والتعليم والخارجية اللذين يقومان بشرح دائم ومتواصل للسياسات المعنيين بها على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتواصلان مع الإعلام ويتفاعلان مع التغذية العكسية.
في المقابل هنالك نماذج مختلفة من المسؤولين أو السياسيين عموماً، ومنهم السابقون، المنفتحين جداً على الإعلام، وربما أكثر من اللزوم، لكن ليس بدافع توضيح السياسات وشرحها وتقديمها للمواطنين، وليس بداعي التفاعل مع الجمهور وردم الفجوة، بل لأهداف أخرى مكشوفة!
أخبار بعض المسؤولين والسياسيين في الإعلام هي أقرب إلى حملة علاقات عامة (PR)، ولا تتعلّق بالشارع أو الانفتاح عليه، بقدر ما هي مرتبطة ببعض الإعلاميين والصحافيين والمؤسسات وتنتهي في النهاية إلى "منافع متبادلة" بين المسؤول أو السياسي وهذه المؤسسات، هو يمرر أخبار "إنجازاته العظيمة" والطرف الآخر يستفيد من هذه العلاقات، وهكذا!
يخطئ تماماً المسؤول - الذي يبالغ بتسريب أخبار عن نفسه وتلميع شخصيته، بوصفه متواضعا ومحافظا على المال العام، أو أنّه حازم، الى آخره من الصفات التي تسبغها أخبارٌ على البعض- بأنّ ذلك هو المقصود بالرسالة الإعلامية، لأنّ المطلوب هو خدمة الدولة وليس خدمة شخص جنابه، ويخطئ أيضاً عندما يراهن على غباء الجمهور والقرّاء، وعدم كشف "الألاعيب الإعلامية"!
على الضفة الثانية، هنالك مسؤولون أو سياسيون حاليون وسابقون، يستخدمون الإعلام أيضاً، ليس من أجل علاقات عامة لأنفسهم، بل لتوجيه "ضربات تحت الحزام" لخصومهم السياسيين أو بعض المسؤولين الحاليين، مما عزّز نوعاً من العلاقة المشبوهة في علاقتهم ببعض وسائل الإعلام!
في المجمل، العلاقة بين المسؤول والسياسي والإعلام هي ضرورية لنقل المعلومات والرسائل والتغذية العكسية، ولردم الفجوة بين الحكومات والشارع، لكن ليس بوصفها عملية غرام وتجميل أو علاقات عامة، أو انتقام من الخصوم.