ضيوف الغد

غليان الشارع الأميركي يخنق البيت الأبيض

محمد أحمد الزواوي

الاحتقان في الشارع الأميركي اليوم هو نتيجة تراكمات عديدة، وليس ناتجا فقط عن القتل الوحشي للمواطن الأفريقي الأميركي جورج فلويد على يد رجل الشرطة قبل أيام في مدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا. فالحادث، بكل صراحة ليس بجديد وهو متكرر من حين إلى آخر، مذكراً كل مرة بأن العنصرية تجاه السود، ما زالت إحدى مشكلات المجتمع الأميركي.
تراكمت عدة أحداث لتزيد من حدة الاحتقان في الشارع الأميركي، آخرها ربما الآثار الاقتصادية لجائحة الكورونا، والارتفاع غير المسبوق بمستوى البطالة من ناحية، وسياسة الإدارة الأميركية لمواجهة الجائحة من ناحية أخرى، والتي على ما يبدو لم ترض أيا من الطرفين على حدٍ سواء، لا مؤيدي الرئيس الذين يطالبون بعودة الحياة بسرعة، ولا معارضيه الذين ما زالوا يستهجنون المقاربة الخاطئة المتأخرة للإدارة الحالية عند التعامل مع الأزمة، والذي وضع الولايات المتحدة بالنهاية في فوهة البركان كأكبر بؤرة تفشٍ في العالم.
بدون أن ننسى بالطبع، بأن الإدارة الحالية قد فاقمت حالة الانشقاق السياسي المعتاد بالشارع الأميركي فيما بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على طوال فترة الرئيس بشكل غير مسبوق، عداك طبعاً عن ارتفاع منسوب الكراهية العرقية والدينية التي رسخت لها هذه الإدارة منذ الانتخابات التي جاءت بترامب إلى البيت الأبيض. فربما لا يكون مقتل مواطن أفريقي أميركي سوى «القشة التي قصمت ظهر البعير»، وصبّت الكاز على نار متقدة أصلاً تحت رماد الاحتقان الذي تواصل الإدارة تغذيته عند كل منعطف.
أضف إلى كل ذلك، قوام وبنية الإدارة نفسها، حيث عجز الرئيس عبر ولايته عن الاحتفاظ بمجموعة واحدة متجانسة، بل واصل عبر الأيام على تغيير الأفراد سواء بإقصائهم أو مغادرتهم طواعية نتيجة لعدم توافقهم وسياسات الإدارة أو حتى لعدم اتفاقهم ببساطة والتوجهات غير الناضجة لصهر الرئيس كوشنر، الذي يتمتع فعلياً بقوة داخل الإدارة تفوق نائب الرئيس نفسه، والذي بحد ذاته ينافي كل الأعراف السياسية التي تقوم عليها الولايات المتحدة الأميركية.
بالطبع، فلا يمكن عند النظر للغليان الحاصل الآن كسحابة صيف منفصلة عن كل الظروف الجيوسياسية التي أحاطت بهذه الإدارة، التي بدأت ببناء الجدران ومنذ أول أيامها بدلاً من الجسور. فتجدها منبوذة على أرض الواقع في كل التحالفات التاريخية للولايات المتحدة، والتي أصلاً تبرأت أو تنصلت من معظمها، فيما أدت سياساتها غير المتزنة بإفراغ الباقي من محتواها. فربما، قلما حدث عبر التاريخ اتساع الفجوة فيما بين الولايات المتحدة وحلفائها مثلما نرى هذه الأيام، ورفض المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل لحضور قمة السبع الكبرى التي دعا لها ترامب ما هو سوى مثال صارخ على حجم التباعد والمدى الذي وصلت له هذه الإدارة بالمشي وحيدة في كافة المسائل.
وعليه، فإن الديماغوجية القائمة على الشعبوية لم تعد لتسعف الرئيس في حملته القادمة، بعد عدة انتهاكات في أسبوع واحد لمواد يقوم عليها الدستور الأميركي بالأساس، من المساواة الى حرية التعبير، وغيرها من أوامر تنفيذية مترافقة وتصريحات اصطفت جنباً إلى جنب لتؤكد لكل من لم يعرف من قبل، بأن الرئيس الذي فاز بأصوات أقل من منافسته في انتخاباته الأولى، لا يمثل في الحقيقة سوى فئة محدودة من الشعب الأميركي، بعد أن ناصب العداء للمهاجرين، العرب والمسلمين، أصحاب الأصول اللاتينية والأفريقية ومؤخراً مع أزمة الكورونا حتى الأصول الآسيوية! لم يتوقف ترامب يوماً عن انتقاد وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي وحتى مجتمع صناعة السينما. حتى أنه إنهال يوماً بهجوم شديد على اليهود الأميركيين في حال تنكروا لدعم الكيان الإسرائيلي! فهل تكفي طبقة العاملين المسيحيين الأنجيليين التي كانت حجر الزاوية دوماً بحملاته الانتخابية لإيصاله إلى البيت الأبيض مجدداً، أم أن مقتل جورج فلويد سيدق المسمار الأخير بنعش إدارة الرئيس دونالد ترامب.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock