غياب البحث والتطوير والابتكار التكنولوجي.. كيف مستقبل بلادنا؟

أحمد عبد الباسط الرجوب* عمان - في ظل التنافس المحموم بين الدول والشركات في عالم يتغير بسرعة، فقد بات من الضروري التركيز على قطاع البحث والتطوير Research and Development (R&D) بهدف مراجعة وتنقيح التصاميم والتقنيات المتوفرة، وزيادة كفاءة عمليات الإنتاج وتحسين المنتجات الحالية وابتكار منتجات جديدة من أجل مواجهة المنافسين ومتابعة التغيرات المستمرة في رغبات المستهلكين. في الوقت الذي أصبحت فيه قضية البحث والتطوير والابتكار التكنولوجي، قضية أمن قومي، يرتبط بوجودها الدول والمجتمعات؛ حيث من المفهوم أن البحث والتطوير يرتبطان بعدد كبير من المفاهيم الاقتصادية والاجتماعية منها: ريادة الأعمال، الإبداع، الاختراع، الإنتاج، الاقتصاد، الاستدامة، وغيرها كثير من المصطلحات والمفاهيم التي يمكن أن تشكل رافدا للبحث والتطوير وتحقق أهدافهما. البحث والتطوير هما نتاج للبحث العلمي الذي يسهم في دعم الاقتصاد وإيجاد حلول مستدامة للمشكلات التي تواجه المجتمع، ويساعد على تحسين مستوى وجودة الحياة، ودفع عجلة التنمية، وإيجاد الفرص الوظيفية، والمنافسة مع الدول المتقدمة في حجز مراتب متقدمة على خريطة العالم في البحث والتطوير والاستكشاف والتنمية الاقتصادية. البحث والتطوير R&D يعتمدان على ثلاثة مكونات تمثل مؤسسات البحث والجامعات ومراكز الفكر في جانب، يقابلها مؤسسات وشركات القطاع الخاص، وترتكز جميعها على محور الحكومات والاهتمام بالبحث والتطوير. وتتنافس الدول في مجال دعم البحوث التطويرية وفي هذا المجال، فقد نشر موقع "Visual Capitalist" في نيسان (ابريل) 2016 قائمة بأكثر الدول إنفاقاً على البحث والتطوير، التي أظهرت أن معظم الإنفاق العالمي يتركز على البحث والتطوير في دول مجموعة العشرين، والتي تمثل 92 %، من حجم الإنفاق العالمي على البحث والتطوير، بينما يتركز 94 % من براءات الاختراع في الولايات المتحدة. احتلت الولايات المتحدة المركز الأول كأكثر الدول إنفاقاً على البحث والتطوير للعام 2015، بإنفاقها مبلغاً يُقدر بـ463 مليار دولار، في حين أتت الصين في المركز الثاني بـ377 مليار دولار. وجاء الاتحاد الأوروبي في المركز الثالث بـ346 مليار دولار، ثم اليابان بـ155 مليار دولار وألمانيا يتجاوز الإنفاق فيهما 100 مليار وثم كوريا الجنوبية بـ74 مليار دولار وبعدها روسيا بـ42.6 مليار دولار... بشكل عام فإن متوسط ما تنفقه شركة صناعية في الولايات المتحدة على البحث والتطوير هو 3.5 % من إيراداتها، إلا أن هذه النسبة تختلف بشدة من شركة إلى أخرى... مثلا شركات التكنولوجيا العالية High-Tech كثيرا ما تنفق نسبا كبيرة من إيراداتها على الأبحاث. فشركة "نوفارتس" للأدوية، مثلا، تنفق 15.1 % من إيراداتها على البحث والتطوير، وتصل النسبة في شركة مثل "اريكسون" إلى 24.9 % من إيراداتها. للأسف لم يظهر أي مؤشرات إنفاق لدولنا العربية على البحث والتطوير رغم وفورة المليارات لبعض الدول العربية، وخاصة دول النفط العربي. عربياً.. وفي سياق موازنة البحث العلمي في الدول العربية، فقد أكدت الدراسات الدولية أن نصيب المواطن العربي من ميزانية البحث والابتكار العلمي والتكنولوجي سنويا لا تتجاوز 2 إلى 3 دولارات للفرد، في حين أنها تصل إلى 680 دولارا في الولايات المتحدة، و601 دولار في اليابان، و410 دولارات في ألمانيا، والفارق واضح لا يحتاج إلى تفسير. كما أن أكثر من 98 % من ميزانية البحث العلمي والابتكار التكنولوجي في الدول العربية تقدمه الحكومات، في حين أن أكثر من 80 % من هذه الميزانية يقدمها القطاع الخاص في الدول الغربية. في الوقت الذي باشرت فيه دول كثيرة بتطوير التكنولوجيا الخاصة بها وفقدان ثقة القطاع الخاص العربي نابع من اعتماده على سياسة استيراد "شركات تسليم المفتاح"، واقتناء التكنولوجيا الجاهزة التي يستوردها كلية جاهزة من الخارج. أردنياً.. وفي ظل الظروف الاقتصادية والإدارية المتردية لدينا، فإننا في حاجة ماسة إلى مشروع وطني قومي، يحدد أولويات البحث والتطوير على مستوى المناحي العلمية والإنتاجية كافة في المملكة؛ حيث لا بد من التركيز والاهتمام حاليا بمجالات البحث والتطوير (R&D)، وأن تخصص الحكومة للعقد المقبل للتركيز على مجالات محددة لتحسين مستوى الفكر والإبداع والإنتاج بصوره كافة من أجل استخدام هذه المعرفة في التطبيقات العملية التي تعود بالنفع على الأفراد والمجتمعات والمؤسسات. ومنها (الطاقة الشمسية وتحلية المياه والمياه الجوفية، الارتقاء بالتعليم ومستوى العلم والمعرفة لدى المواطنين)؛ حيث إن التعليم يعد من المجالات الحيوية والمهمة التي يجب أن يتم تدعيمها، خاصة وأن ما يقدمه التعليم في بلادنا ما يزال منفصلا عن احتياجات الاقتصاديات المحلية وسوق العمل، ولكن ما تزال المحصلة والنتائج غير مرضية، وما نزال نعاني من أوجه نقص وقصور عديدة ممثلة في البطالة، ضعف الرعاية الصحية، نقص المياه، عدم تنوع مصادر الطاقة والاعتماد على النفط والغاز في توليد الطاقة، وبخاصة أنها مستوردة ورهينة لظروف سياسية متقلبة كما حصل في استيراد الغاز المصري واللجوء الى الغاز الفلسطيني الذي سرقته دولة الكيان الصهيوني. وفي هذا الإطار.. نؤكد أن الأكاديميين والباحثين في بلادنا يتحملون فقدان ثقة القطاع الخاص فيهم، ولا يوجد اهتمام بالبحث العلمي والتطوير التكنولوجي، والمشكلة ليست فقط في توفير التمويل للبحث العلمي وتحسين وضعيته، بل إن حالة البحث والتطوير متردية. الأبحاث في "بلدنا الأردن خاصة والعربية عامة"، وتحديدا في الجامعات والمعاهد العلمية على الرغم من أهميتها، إلا أن هذه الأهمية أكاديمية لأغراض الترقية البيروقراطية، ولكنها لا تلبي احتياجات المجتمع الاقتصادية. يضاف إلى هذا أن جزءا كبيرا من المخصصات المالية، لا يذهب إلى التراكم الاستثماري العلمي، ولكنه يوجه إلى بناء المنشآت مثل المدارس، والأجور والرواتب، وبالتالي فالتمويل لا يذهب كلية للمكان المناسب". أسئلة كثيرة نضعها أمام حكومتنا وننتظر الإجابة.. ما هو واقع الأداء المعرفي في الأردن؟ وبماذا تتمثل أهم أسباب ضعف كفاءته؟ وما هي في المقابل الاستراتيجيات التي يجب وضعها للوصول في البحث العلمي والتطوير إلى الأهداف المرجوة والمرتبطة بحاجات المجتمع وظروفه وإمكانياته؟ في بلادنا.. تربى الإنسان الأردني على ما تريده المؤسسات، وليس ما يريده الإنسان، وبالتالي حطمنا الإنسان والابتكار عنده، هذا المناخ جعلنا حاليا غير قادرين على الإنجاز والإبداع واختزال العمل في أوقات الدوام فقط، وليس في العمل الإنتاجي المنجز.. وخلاصة القول إننا بحاجة الى ما يلي: 1. إطلاق مشروع ضخم يجمع أطراف القدرات في البلاد، له أولويات ممثلة في مجالات الطاقة الشمسية والمياه وتكنولوجيا المعلومات خلال السنوات العشر المقبلة، مع الاستفادة من خبرات دول مثل الصين التي تبلغ معدلات النمو فيها أكثر من 9.4 % سنويا، والنمو الصناعي أكثر من 13 %، لأنه يعتمد على البحث والتطوير المرحلي. 2. دعم البحث والتطوير في المجالات كافة من أجل تحقيق الاستدامة، حتى تتحقق الفائدة من ذلك يجب تحفيز قطاعات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وفي هذا الجانب فقد أسهمت جميع دول العالم في تحفيز وتطوير قطاعات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال دعم البحث والتطوير، حتى أصبحت هذه الشركات من الشركات العملاقة التي تخصص جزءا من مواردها لدعم البحث والتطوير تجاوز 40 % من الدخل في بعض شركات الأدوية، ويراوح بين 10 % و20 % في كثير من الشركات العالمية المؤثرة. 3. أن تتبنى حكومتنا استراتيجية وطنية واضحة وتبني حلول علمية في سبيل دعم مسيرة البحث العلمي والتطوير، وتفعيل المسار الهادف إلى خلق مقومات الدخول في ميدان العلوم والتقنيات الحديثة. 4. لا شك في أن هناك عراقيل أمام تنشيط حركة البحث العلمي، مرتبطة بنواح كثيرة منها المالية والفنية والتنظيمية، وهو ما يوجب على أصحاب القرار القيام في بلادنا بجملة من المراجعات في إطار السياسة الإصلاحية. 5. أن تعمل الحكومة على وضع قانون أو تشريع يقدم الحوافز والإعفاءات الضريبية للشركات والمؤسسات التي تقوم بالبحث والتطوير. ختاما على ما تقدم، هل حكومة الاقتصاد الرقمي والريادة ستغير النهج المعرفي؟ وكيف هو مستقبل بلادنا؟ *باحث ومخطط استراتيجياضافة اعلان